الحركة تبني شكل الهند الحديثة
ترجمة ـ بدر بن خميس الظفري -
عندما دعتني (مؤسسة الهند للدراسات) للمشاركة في مؤتمر في نهاية الأسبوع مع مجموعة من المفكرين والشخصيات السياسية القومية الهندوسية المتحالفة مع منظمة (راشتريا سوايامسيفاك سانغ) (ر.س.س) وافقت على الفور، وكما كتبت في هذه الصفحات في شهر (مارس) الماضي، يحتاج الأمريكيون إلى المشاركة بشكل أعمق مع حركة تعيد تشكيل سياسات وثقافة واحدة من أهم البلدان في العالم.
إن منظمة (ر.س.س) هي منظمة قومية هندوسية رائدة، وتعدّ أهم حركة وأكثرها إثارة للجدل في المجتمع المدني في الهند الحديثة. ونظرًا لكونها مصدر الأيديولوجية القومية الهندوسية لحزب (بهاراتيا جاناتا) الحاكم، فإن منظمة (ر.س.س) ومجموعة من المنظمات والأفراد المنتسبين والمتحالفين معها، المعروفة باسم (سانج باريفار) قد اتخذت منهجًا مميزًا للسياسة سمح لها أن تصبح أقوى منظمة مؤثرة في الحياة الهندية، بعدما تفوقت على حزب المؤتمر الوطني الهندي العلماني اليساري.
تأسست منظمة (ر.س.س) في عام 1925 في ولاية (ماهاراشترا) على يد الدكتور (كيشاف باليرام هيدجوار) انطلاقا من الاعتقاد بأن الهند يمكن أن تأخذ مكانها الصحيح في العالم فقط من خلال حركة تجديد وطنية ثقافية دينية، وتهدف المنظمة، التي تأسس فرع النساء منها عام 1936، إلى تشكيل شخصيات الشباب الهنود من خلال مزيج من التدريب البدني وشبه العسكري، والمعسكرات الصيفية التعليمية ومشاريع خدمة المجتمع. يطلق على المتطوعين المختارين اسم الـ(براتشاراكيين)، وهم النسخة الهندوسية لليسوعيين، إذ يعيشون بشكل جماعي، ويمتنعون عن الزواج ويعملون في المهام التي تسندها القيادة إليهم.
في البداية، كانت منظمة (ر.س.س) واحدة من العديد من الحركات الدينية والقومية التي نشأت من الصحوة الوطنية الهندية في أوائل القرن العشرين، ولقد ظلت لسنوات عديدة على هامش الحياة الهندية، واليوم يتربع ورثة (هيدجوار) على قمة مركز السلطة، فقد تطوع رئيس الوزراء الحالي (ناريندرا مودي) في منظمة (ر.س.س) عندما كان في الثامنة من عمره، وحصل على لقب (براتشاراك) في عام 1972.
بلا شك فإن المراقبين الأمريكيين والغربيين ينظرون إلى القومية الهندوسية من خلال عدسة الصراع بين الهندوس والمسلمين الذي سيطر على جزء كبير من تاريخ جنوب آسيا الحديث، وسواء كانت المزاعم التي تقول إن مودي، رئيس وزراء ولاية (غوجارات) آنذاك، لم يستطع وقف العنف الذي خلف مئات القتلى في عام 2002، أو الاتهامات بأن السلطات القومية الهندوسية تغض الطرف عن عمليات الإعدام خارج نطاق القانون وغيرها من أشكال العنف ضد الأقليات الدينية اليوم، فإن الحركة القومية الهندوسية تلام بشكل كبير على تفاقم التوترات بين الطوائف في بلد لا تزال تطارده جرائم القتل الجماعي والعنف المرتبطة بتقسيم الهند البريطانية عام 1947، ويرى العديد من المراقبين الهنود والأجانب أن منظمة (ر.س.س) تثير الكراهية للوصول إلى السلطة من خلال إثارة النعرات الطائفية للناخبين.
إنّ المخاوف بشأن العنف مشروعة، إلا أن ما يحرك القومية الهندوسية هو الخوف على مستقبل الهند أكثر من العداء ضدّ الإسلام، فالتاريخ الحديث ليس سوى قصة انهيار دول متعددة الأديان واللغات، في الوقت الذي كانت فيه الدول القومية تخوض صراعا من أجل الاستقلال، فقد انهارت الإمبراطوريتان النمساوية المجرية والعثمانية، وفي يوم من الأيام بدا أن الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا مستقران وسيستمران لأمد بعيد، إلا أن كليهما اختفيا بين عشية وضحاها.
إن الهند بلد متنوع عرقيا ولغويا مثله مثل أوروبا أو أمريكا اللاتينية، ومع وصول الجماهير الهندية إلى الإنترنت، وتسلل وسائط التواصل الاجتماعي إلى القرى والأحياء الفقيرة، يطرح سؤال مهم: ما هو الرابط الذي يمكن أن يحافظ على تماسك الهند؟ يقول القوميون الهندوس إن ما يوحد شبه القارة هو ثقافة مشتركة يقوم فيها الدين الهندوسي بدور مركزي، بل حتى الهنود غير الهندوس شكلتهم هذه الثقافة التقليدية، ولذلك يؤمن القوميون الهندوس أن الفخر بهذا التراث وتحريره من الهيمنة البريطانية والمغولية هو السبيل الوحيد لتوحيد هذا العدد الكبير والمتنوع من السكان معًا، مدّعين أن العلمانية النهروية (نسبة إلى جواهرلال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال) والتجريدية الليبرالية مثل «الوطنية الدستورية» لا يمكنها القيام بهذه المهمة.
حارب القادة الدينيون في العديد من المجتمعات التغييرات الاجتماعية والثقافية التي تأتي مع التحديث، وقادوا المقاومة ضد السياسة المؤيدة للأسواق الحرة وتعليم المرأة والإصلاحات الأخرى التي تتطلبها الحداثة الناجحة، وهذا ما لم أره في (أودايبور). تدرك قيادة منظمة (ر.س.س) أن الهند يجب أن تتحرك وتتحرك بسرعة، إذ تلوح في الأفق صين قوية وطموحة في الشمال، والشباب بحاجة إلى وظائف لكي ترتفع مستويات المعيشة.
تعتقد قيادة منظمة (ر.س.س) أن الهند يمكن أن تظل موحدة مع انتشار موجات التحديث عبر شبه القارة الهندية في حالة واحدة فقط، وهي أن ترتكز التغييرات على المبادئ الهندوسية القديمة، ولذلك تقوم المنظمة باستقطاب المفكرين الهندوس المحافظين وزيادة عددهم، وتروج للهندوسية الموجهة نحو المستقبل، على أمل أن يجلب دين الهند وثقافتها القديمة الوحدة والثقة بالنفس، ويوصلها إلى القرن الحادي والعشرين.
هل سيحدث ذلك؟ وهل يمكن للهند القومية الهندوسية أن تتجنب فضائح الفساد وأن تحترم الحريات المدنية وتحد من التوترات الطائفية والعنف؟ لا أحد يعرف، لكن هؤلاء الناس جادون ويهتمون بشدة بمستقبل بلدهم والعالم. لقد غادرت (أودايبور) أكثر تفاؤلا مما كنت عليه عندما وصلت.
والتر راسل ميد كاتب عمود رأي، جلوبال فيو، وول ستريت جورنال.
الترجمة عن «وول ستريت جورنال»
