الحركة الصهيونية والوطن القومي لليهود

01 يونيو 2023
01 يونيو 2023

برزت الحركة الصهيونية في الغرب أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كظهور عملي وفعلي وعملي في أوروبا، لكن البعض الآخر من المهتمين بالحركة الصهيونية، يرون أن بداية تأسيسها كحركة صهيونية سياسية، نشأت في الأصل في المملكة المتحدة في القرن السابع عشر الميلادي بصورة سرية، وانطلقت من رؤية أيديولوجية سياسية محضة، ليس لها منطلقات دينية عند مؤسسيها الأوائل، أو هي أقرب للرؤية العلمانية كمفهوم مسيحي كنسي، وقد يكون مؤسسوها يودون، أن يقتربوا من النظرة المسيحية حتى لا تكون النظرة لهم نظرة أخرى تختلف عما يراد لهذه الحركة أن تتحرك فيه، وفق ما يرغب الأوروبيون وتكون مساحة النشاط معروفة ومحددة وليس لها قوالب دينية ثابتة. ففكرة الصهيونية جاءت من خلال الفكرة التي تقوم على الزعم القديم، أو كما يسمّى بالحق اليهودي في العودة إلى أرضهم في فلسطين، أو كما سُميت بـ (أرض الميعاد)، وإقامة (هيكل سليمان)، كمخرج تاريخي لهم في مدينة القدس، ولذلك أسست الحركة الصهيونية من منطلقات سياسية، تقوم على تحقيق هذا الهدف بحسب الظاهر، وهو الزعم بالحق التاريخي لهم في هذه الأرض، و كلمة صهيون ـ كما جاء في الكتاب المقدس ـ بحسب زعمهم ـ : «رابية من الروابي التي تقوم عليها أورشليم. ورد ذكرها للمرة الأولى، في العهد القديم كموقع لحصن يبوسي الذي كان مَلكًا بحسب زعمهم، فاحتل النبي داود الحصن، وسماه مدينة داود». ويُقال أن يبوس أو اليبوسيين من العرب من أصول سامية عاشوا في تلك المنطقة، وكانوا من سكان تلك المدينة.

لذلك ربطت الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها السياسية، بهذا الجبل أو هذه الرابية التي سميت بصهيون، كونها تريد الصهيونية ـ كما يقول د.عبد الملك بن خلف التميمي ـ المسوغ الديني لهم لتبرير هذا الهدف السياسي الصهيوني في أرض فلسطين: «لكنها حركة سياسية عنصرية أحيت فكرة أرض الميعاد وإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين بحجة الحقوق التاريخية لليهود في تلك الأرض».

ومن هنا ـ كما يقول البعض ـ جاء التأييد الغربي الغريب، والوعد الرسمي المعلن لإقامة وطن قومي لهم من قبل «بلفور» وزير خارجية بريطانيا، وهو أن الدول الغربية المسيحية، أرادت في مسألة إقامة الوطن البديل لليهود، ومساندة الحركة الصهيونية، هو التخلص من هذه الأقلية من أرض أوروبا، وتبقى أوروبا بعيدة منهم، أو ربما زرعها في هذه الأرض العربية، والعامل الآخر الداعي أن التحول الذي جرى في الغرب في ما سمي بـ(الأنوار)، والنهضة العلمية والتكنولوجية من خلال التحولات التي حدثت بعد إقصاء الكنيسة، وصعود البورجوازية والنهوض الصناعي والاقتصادي في غرب أوروبا، بعكس شرق أوروبا الذي كان متخلفا نوعا ما، ويعاني من مشكلات سياسية مضطربة، وحصلت هجرات كبيرة لجماعات يهودية من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية، وهو ما جعل فكرة تهجيرهم إلى أوطان أخرى.

بعض التحليلات ترى أن الأهداف التي حددت في المنطقة العربية، وبالأخص في فلسطين، لا تخفى على المتابع الحصيف، وهو النظرة الاستعمارية، وهو ما أسهمت فيه حركة الاستشراق، والإسهام في ذكر بعض الآراء والتبريرات لذلك، ومحاولة التأكيد عليه بما يساند ما سمّي بالحق التاريخي لليهود في فلسطين، ومسألة الحقوق التاريخية، قضية لها اعتبارات ومسائل معقدة وحديثها لا ينتهي، فكل الشعوب من كل القوميات، قد تكون قومية من القوميات سكنت في جغرافيات عديدة، وتلك قضية معروفة تاريخيًا، والحقوق التاريخية في هذه قضية شائكة وملتبسة، وربما كل الحضارات والعرقيات والأديان، قد سكنت قبل قرون وخرجت منها لسبب من الأسباب، وفي أعراق عاشت قبل قرون في بقعة جغرافية، ثم خرجت، أو أرغمت على الخروج منها، ولو فُتح الباب لمشكلة الحق التاريخي أو هذا الشعب أو هذه الديانة، أو تلك الأعراق، كون أجدادهم عاشوا قبل قرون في بقعة مكانية وخرجت، نتيجة حروب أو صراعات داخلية، فمثل هذه الأمور، لن تتوقف أبدًا في هذا الكوكب خاصة ما كان في القرون الغابرة، ولذلك الحقوق التاريخية قضية نسبية خاضعة للواقع، أو ما يسمى بسياسات الأمر الواقع في السياسات الدولية في عصرنا الراهن، وهو عدم السماح باتخاذ أي إجراءات سياسية، كونها حصلت تاريخيا لشعب قبل عشرات القرون، فكيف يقوم شعب ويطرد شعبا آخر، الذي أصبحت حقوقه ثابتة في أرضه وممتلكاته، كما أشرنا بقضية فلسطين، بادعاء الحق التاريخي؟ كما تقول الحركة الصهيونية. وإذا بحثنا عن الأفكار الأساسية للصهيونية العنصرية، من خلال مقولاتهم المكشوفة والحاقدة على صاحب الحق الأصلي، نجد أن ممارساتها العنصرية واضحة غير خفية عن العالم أجمع، مما فكروا فيه، وربما ما زال هذا التفكير قائما، مع بروز التطرف الديني الحاكم الآن، والقيادات التي لا تخفي أهدافها ومطامعها في كل فلسطين وفي غيرها، إنهم يخططون فيما يسمونهم تنظيف المدن الفلسطينية من الإنسان الفلسطيني، وهذه نظرة عنصرية واضحة المعالم، بحسب رؤيتهم المتطرفة لصاحب الأرض. وعلى هذا فإن الصراع لا يدور بين خصمين أو قوتين، أو بين تاريخين مختلفين، والذين انبثقوا من الحركة الصهيونية، وشربوا من فكرها المتطرف، ما قاله «مناحيم بيجن» رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ـ وهو ينتمي إلى إحدى المنظمات الصهيونية المتطرفة عندما قال: «ينبغي أن ندرك أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين، إن الحل الوحيد هو فلسطين بلا عرب، وليس هناك سبيل غير طرد العرب إلى البلدان المجاورة. طردهم جميعا بلا استثناء. وينبغي ألا تبقى هنا أية قرية ولا أية عشيرة. تعكس المفاهيم الصهيونية ذاتها حتى على مستوى الكلمات والمفاهيم». فبعد أن يقول بيجن بـ «شعبين» لا يلبث أن يستدرك فيقول بـ «القرية» و«العشيرة» وهما ينتميان إلى تاريخ اجتماعي ساذج . أضف إلى ذلك أنه يستعمل كلمة طرد التي تتضمن معنيين: «عدم إمكانية العيش مع فرد أو قرية فلسطينية من ناحية، ومعاقبة المطرود من ناحية ثانية، فهو غير مرغوب فيه وجدير بالعقاب والاضطهاد».

ومن الكتّاب الذين اهتموا بالحركة الصهيونية، وكشفوا عن أفكارها العنصرية، المفكر الدكتور مصطفى محمود، في مؤلفاته (المؤامرة الكبرى)، (إسرائيل النازية ولغة المحرقة)، و(إسرائيل البداية والنهاية)، وقد أزعج هذا الموقف إسرائيل، وتحركت في هذا الجانب ـ كما نشر منذ عدة سنوات ـ فقد اتهم أدهم مصطفى، نجل مصطفى محمود لبرنامج الحقيقة في«قناة دريم» إسرائيل بأنها كانت وراء وقف برنامج والده الشهير (العلم والإيمان)، بسبب ما كان يقوله والده عن إسرائيل. ففي كتاب مصطفى محمود (إسرائيل البداية والنهاية)، يرى د.مصطفى محمود، أن إسرائيل لا تكف عن المخططات والاستراتيجيات، لعمل منظم للوصول إلى أهدافها البعيدة، ومنها أن «الخطة الصهيونية هي الإعداد لعملية التفاف سياسي لتطويق مصالح الدول العربية.. ونعلم أين تقف أوروبا والغرب من كل هذا‏.‏ ونعلم لماذا تقف أوروبا وأمريكا وراء إسرائيل‏.‏ وماذا تمثل إسرائيل لهذه العصابة‏.‏ إنها أداة جاهزة لتعيق الانطلاق العربي وإجهاض مشروعاته النهضوية وإفقاره وإغراقه في الفتن والخلافات والديون‏..‏ وهي العصا التي يضرب بها من عصا‏، وما يجري أمامنا هو توزيع أدوار بهدف واحد هو أن نظل جميعا في الأسر‏، وتحت السيطرة.‏ وعلى العرب أن يتحدوا ويتماسكوا ويتحابوا ويتعاونوا ويتعاملوا كذراع واحدة مع هذا المشروع التفكيكي للقضاء عليهم وتفريقهم والسيطرة على مقدراتهم‏».‏

ولا شك أننا لم نجد في العقود الماضية التي تلت اتفاق أوسلو وما بعده، وغيرها من الاتفاقيات الجانبية مع الفلسطينيين، تراجعا ولو قليلا، عن المخططات التي تقوم بها الحركة الصهيونية في فلسطين، سواء في التهويد بمدينة القدس، أو إقامة المستوطنات في العديد من المدن الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، وفي مدينة القدس العربية؛ فإسرائيل بدأت معركتها الحقيقية في ظل حكومة نتانياهو المتطرفة الحالية وقبلها الحكومات السابقة، لهدم مدينة القدس، وتغيير معالمها العربية/الإسلامية، وهذا ليس تخمينا أو تخيلا، بل هذا التوجه بدأ عمليًا والتحركات بدأت منذ سنوات طويلة بالحفر في بعض الأماكن بالقدس العربية والإسلامية، ونرى في العامين الآخرين اقتحامات ساحات المسجد الأقصى، ومما زاد التحرك القرار الأمريكي بجعل القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل.

من هنا يجب أن تستشعر الأمة الخطر المقبل، ويجب أن يكون التحرك قويا ومخططا من الجانب السياسي والإعلامي والقانوني، لكي تسهم الأمة في وقف هذا التهديد وتحمي القدس وأهل القدس من هذا الخطر الصهيوني الكبير، لتهويد القدس بقيت تسير بوتيرة متصاعدة، وكذلك عملية الزحف على المسجد الأقصى بهدف الاستيلاء عليه، وهذه الاعتداءات الأخيرة هدفها التهويد الرسمي، ولا شك أن إسرائيل تراهن على الضعف العربي القائم والخلافات البينية، والصراعات، لتنفيذ مشروعها القديم والجديد، لتهويد كل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، بحجة الحق التاريخي لإسرائيل، وهو ما خططت له الحركة الصهيونية من القرن التاسع عشر!.