الحرب السرية والمؤامرة على المقاومة الفلسطينية

02 أبريل 2024
02 أبريل 2024

الحروب والصراعات الإقليمية والدولية لها تداعياتها الظاهرة من خلال سير العمليات العسكرية والجهود السياسية التي تبذل لوقف تلك الحروب والصراعات، وقد تنجح تلك الجهود، وقد تفشل تبعًا لأهداف الاستراتيجية غير المعلنة لأحد الأطراف أو الدول الكبرى. ومن هنا فإن اندلاع الحروب والصراعات تبدأ بشكل محدود، ومن ثم تقفز الأهداف الاستراتيجية للوصول إلى نتائج محتملة، ولعل سقوط الاتحاد السوفييتي السابق كان أحد الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة، التي تواصلت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١، وكانت الحرب التي أقدم عليها الاتحاد السوفييتي السابق في عقد السبعينيات من القرن الماضي على أفغانستان لدعم النظام الموالي لموسكو في كابول قد أوجد فرصة تاريخية لواشنطن لاستنزاف الاتحاد السوفييتي السابق، وليس هناك سر بأن المخابرات الأمريكية أسهمت في دعم المجموعات المسلحة من عدد من الدول العربية والإسلامية للقتال في أفغانستان ضد القوات السوفييتية تحت شعارات مختلفة، حيث يشير عدد من الوثائق الأمريكية أن الدعم الأمريكي ليس له علاقة بشعار الجهاد الإسلامي ضد الشيوعية ولكن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو استنزاف الاتحاد السوفييتي السابق عسكريًا واقتصاديًا، وحتى أخلاقيًا من خلال الإعلام والدعاية المكثفة ضد العمليات السوفييتية ضد المدنيين. هذه المقدمة تعرج بنا إلى نموذج صارخ يجري الآن في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي بين هجوم المقاومة الفلسطينية على الكيان الإسرائيلي في غلاف غزة وهي مدن محتلة، وبين شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا بشعًا وإجراميًا ضد الشعب الفلسطيني وارتكاب إبادة جماعية تم توثيقها قانونيًا وإعلاميا، وقدم عدد من الملفات إلى محكمة العدل الدولية.

والسؤال هنا هل الحرب المعلنة من قبل الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة هي كل الأهداف الاستراتيجية أم أن هناك أطرافًا متعددة إقليمية ودولية تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية على صعيد منطقة الشرق الأوسط وليس فقط على صعيد فلسطين المحتلة.

هناك مؤشرات واضحة وتسريبات وحتى سلوك سياسي وتصريحات من قيادات إقليمية ودولية بأن الهدف الاستراتيجي الأهم فيما يخص الحرب العالمية على قطاع غزة هو تصفية حركة حماس بشكل كامل وهناك انسجام واضح وإن كان غير معلن بأن حركة حماس تحديدًا تعيق مشروع الشرق الأوسط وخطط دمج المحيط العربي اقتصاديًا وأمنيًا وتجاريًا بالكيان الإسرائيلي من خلال المشروع الاقتصادي الذي تم التوافق عليه خلال قمة العشرين الأخيرة في الهند، وهو المشروع الذي يمر من الهند إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا لمجابهة المشروع الصيني الحزام والطريق، كما أن إنهاء حركة حماس هو هدف استراتيجي لبعض الدول العربية وأيضا للولايات المتحدة الأمريكية التي ترغب في تحريك مسار التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية. ويبدو لي أن هجوم السابع من أكتوبر من قبل المقاومة الفلسطينية خاصة حركتي حماس والجهاد قد أفشل ذلك المشروع أو على الأقل خلط الأوراق وانكشف المستور كما يقال. وعلى ضوء ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية ومع عدم اعتراضها على قرار مجلس الأمن الأخير رقم ٢٧٢٨ الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة هو شعور الإدارة الأمريكية بالحرج من تكرار استخدام الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي وظهور واشنطن بأنها هي العقبة ضد وقف تلك المجازر البشعة التي ارتكبتها القوات الصهيونية ضد المدنيين الفلسطينيين طوال أكثر من ستة أشهر، ورغم تمرير القرار الدولي إلا أن تنفيذه محل شك، خاصة وأن الكيان الإسرائيلي. وعلى مدى عقود لا ينفذ قرارات الشرعية الدولية وهي بالعشرات وتقبع في أرشيف الأمم المتحدة في نيويورك.

ومن هنا فإن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الإقليمية والكيان الصهيوني هو إزاحة المقاومة الفلسطينية بشكل كامل من قطاع غزة وعمل ترتيبات أمنية ولعل مسألة بناء ميناء في قطاع غزة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بغرض إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني هو كذبة كبرى لا يمكن تصديقها على الإطلاق. ومن هنا فإن الحرب المعلنة والجهود السياسية شيء، وما يجري في الغرف المغلقة بين العواصم المختلفة شيء آخر.

إنَّ المقاومة الفلسطينية بشكل خاص والفكر النضالي والتحرري هو معضلة كبيرة لواشنطن والكيان الإسرائيلي وعدد من الدول الإقليمية المعروفة سواء بشكل علني أو من خلال السلوك السياسي الخفي، وقد نشرت صحف غربية تقارير صحفية موثقة عن التنسيق بين الكيان الإسرائيلي وتلك الدول الإقليمية. وفي تصوري بأن الرهان على إنهاء المقاومة الفلسطينية بكل أبعادها الفكرية وحاضنتها الاجتماعية هو أمر لن يتحقق ولنا في التاريخ عبرة. كما أن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت مثار شك وأصبح نتانياهو رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي المحتل لا يعير التصريحات الأمريكية أي اعتبار لأن نتانياهو يدرك أن إدارة بايدن أمام استحقاق انتخابي في نوفمبر القادم، وهي تمر بتدني شعبية بايدن بشكل كبير وأن الحزب الجمهوري يستفيد من سلوك الإدارة الأمريكية الحالية مع التأكيد بأن الحزبين الديموقراطي والجمهوري ليس بينهما خلاف على دعم الكيان الصهيوني على الصعيد العسكري والاقتصادي والاستخباراتي باعتبار الكيان الإسرائيلي هو القاعدة المتقدمة في الشرق الأوسط لتنفيذ المخطط القديم لدمج الكيان الصهيوني في الفضاء العربي والإسلامي وتصفية القضية الفلسطينية من خلال المشروع الاقتصادي الذي تمت الإشارة إليه.

ومن هنا فإن المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس تدرك المخطط الإستراتيجي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والغرب وعدد من الدول الإقليمية من خلال الخطة السرية لتهجير الشعب الفلسطيني وإنهاء المقاومة الفلسطينية وإقامة ترتيبات أمنية محددة، كما أن المخطط الاستراتيجي يهدف إلى هيمنة الصهيونية العالمية وسيطرتها على مفاصل المنطقة بشكل كبير من السيطرة على المنافذ البحرية والتجارة الدولية. وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف هجمات أنصار الله الحوثيين على السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني عبر باب المندب وخليج عدن بل وبذلت جهودًا سياسيةً للضغط على أنصار الله الحوثيين دون جدوى؛ لأن استمرار تلك الهجمات في البحر الأحمر مرتبط بوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وهو ربط صحيح وموضوعي نموذج صارخ على الأهداف الاستراتيجية غير المعلنة وهو ما يدور في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن نموذج الحرب السوفييتية على أفغانستان يمكن أن يحقق نفس الأهداف الاستراتيجية وهذه المرة إضعاف روسيا الاتحادية. ومن هنا، فإن المشهد السياسي في روسيا الاتحادية اختلف من خلال التوصل إلى قناعات حول الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي اللامحدود الذي تقدمه واشنطن والناتو لأوكرانيا في محاولة لاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية بهدف استنزاف موسكو اقتصاديًا بشكل خاص وأيضًا من خلال الكم الكبير من العقوبات الاقتصادية غير المشهودة في التاريخ الحديث.

وعلى ضوء ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي صانعة الحروب لأن بدونها لا يمكن للاقتصاد الأمريكي أن ينتعش خاصة على صعيد المجمع العسكري الصناعي ومبيعات السلاح. وطوال تاريخها الذي يقترب من ٣٠٠ عام شنت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ٨٠ حربًا حول قارات العالم الخمس وكانت المصالح الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية والهيمنة هي أساس شن تلك الحروب الكارثية التي أدت إلى موت الملايين من المدنيين الأبرياء، ولعل مشاهد الحرب في أفغانستان والعراق بكل تداعياتها القاسية حاضرة فيما يخص موضوع الغاز في بحر غزة فإن ذلك أحد العوامل الأساسية في الحرب وربما تكشف الوثائق عن أسرار الحرب وتداعياتها ولكن يبقى في نهاية المطاف أن الهدف الاستراتيجي الأساسي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والآخرون هو تصفية فكر المقاومة إسلاميًا كان أو وطنيًا، وهو أمر يصعب تحقيقه لان فكر المقاومة واسترداد الحقوق هو شرارة تنتقل بين أجيال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين المحتلة وليس أمام الكيان الصهيوني في نهاية الصراع سوى الانصياع لصوت الشعوب الحرة والشعب الفلسطيني لن يخرج عن هذه القاعدة التاريخية والتي هزم فيها المستعمر وانتصر فيها الحق بعد تضحيات جسام لنيل الحرية والاستقلال والحقوق وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.