التضخم وقرار المستهلك

16 أغسطس 2022
16 أغسطس 2022

يعرف التضخم الاقتصادي (Economic Inflation) عموما بأنه ارتفاع المستوى العام للأسعار في الاقتصاد عبر ظهور تغيّر نسبيّ بمستوى الأسعار العام من خلال الاعتماد على استخدام الرقم القياسي الخاص بسعر المستهلك نتيجة لعوامل داخلية غالبا ما تحدث بسبب ظهور تفاوت بين العرض والطلب على السلع والخدمات بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لتلك السلع والخدمات وأدت إلى هذا الارتفاع أو نتيجة عوامل خارجية لأسباب سياسية مثل الحروب أو مناخية مثل الكوارث الطبيعية أو اقتصادية ومالية مثل تفعيل بعض تطبيقات السياسات الاقتصادية والمالية في بعض الدول يصعب السيطرة عليها أو التدخل فيها عندها يسمى تضخم مستورد، وما لم تكن هناك قرارات جادة من أفراد المجتمع لتغيير نمط سلوكهم في الاستهلاك وتدخل حازم للتعامل مع ارتفاع معدل التضخم، فإن ذلك سيسهم في تعرضهم لحدوث ربكة في تحقيق الرفاه الاجتماعي ورفع مستوى معيشتهم الاجتماعية اليومية والوفاء بمتطلباتها.

ويخلط عديد من الأشخاص بين مفهومي ارتفاع الأسعار والتضخم، إذ يبدو أن المفهومين متشابهان أو يفسران بعضهما البعض إلا أن هناك اختلافًا واضحًا بينهما، فارتفاع الأسعار يقصد به ارتفاع في سعر سلعة أو خدمة معينة بخلاف التضخم الذي يشير إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، ويتم حساب التضخم الاقتصادي من خلال معادلة بسيطة عبر طرح المستوى العام للأسعار خلال عام من المستوى العام للأسعار في العام السابق مقسوما على المستوى العام لأسعار في العام السابق مضروبا في 100%، ولكن إذا حدث ارتفاع في أسعار النقل بنسبة 20% وانخفضت أسعار السكن بنسبة 20% ربما تلغي مجموعة سلعية أو خدمية تأثير مجموعة سلعية أو خدمية أخرى على معدل التضخم.

إن ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة الماضية يعد أمرا طبيعيا، إذ يعود لأسباب عدة أبرزها أسباب اقتصادية إثر عودة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة «كوفيد-19» وعودة نشاط الاقتصادات والأسواق العالمية وكثرة الطلب على سلعة النفط لغرض مختلف الاستثمارات وتعويض النقص في أسواق النفط بعد إغلاق المنافذ التجارية خلال فترة الجائحة، بالإضافة إلى أسباب خارجية كالحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا ونقص الإمدادات لعدد من السلع الأساسية التي لا يمكن التعامل معها سريعًا إلا بتكاتف الجهود الدولية للبحث عن حلول سريعة وفاعلة لضمان استقرار أسعار النفط العالمية وضمان إمدادات السلع الأساسية لمختلف الدول عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية أو عبر تبني سياسة اقتصادية لدعم أسعار السلع والخدمات الأساسية وإنتاجها.

وتشير النشرة الشهرية لشهر يوليو الماضي التي تصدر عن وزارة المالية إلى أن سلطنة عُمان استجابت لارتفاع معدل التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار مجموعة من السلع الغذائية الأساسية والمنتجات النفطية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 2022 عبر تخصيص 11 مليون ريال عُماني لأسعار السلع الغذائية من خلال زيادة عدد السلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة، وتخصيص 314 مليون ريال عماني لدعم المنتجات النفطية من خلال تحديد تسعيرة لكافة أنواع الوقود والديزل كحد أعلى إلى نهاية العام الجاري.

إن الجهود التي تبذلها الحكومة لإزالة كافة التحديات المالية التي تعترض حياة المستهلك في سلطنة عُمان كاتخاذ إجراءات سريعة للتعامل مع ارتفاع معدلات التضخم عالميا من بينها دعم سعر المواد الغذائية ينبغي أن تتزامن مع تبني المستهلك قرارات تساعد على عدم تأثرهم بارتفاع معدل التضخم عالميًا ومحليًا عبر إعادة النظر في سلوكياتهم الاستهلاكية عند ارتياد الأسواق من خلال شراء المنتجات الضرورية الأقل سعرا مع ضمان جودتها وغرضها بغض النظر عن نوعية الشركة المصنعة أو الدولة المستورد منها المنتج، وأرى أنه من المهم أن يستفيد المستهلك من وسائل التسوق الإلكتروني للحصول على السلع والخدمات التي بدورها ستوفّر عليه عناء الجهد والوقت والمال، إذ إن إصرار المستهلك على شراء منتج معين أو الاستفادة من خدمة معينة بسعر مرتفع مع توفّر البدائل بسعر أقل وبنفس الجودة والغرض ربما يكلّفه عبئًا ماليا يقف عائقًا أمامه في الحصول على متطلبات أخرى للحياة اليومية.

ومن الممارسات غير العقلانية وغير المحبذة من وجهة نظري أن يستمر المستهلك في إنهاك مدخوله ومدخراته المالية لشراء بعض السلع مثل شراء أنواع معينة من المواد الغذائية الاستهلاكية بسعر مرتفع بالرغم من وجود سلع شبيهة بسعر منخفض، أو يقوم بإنفاق مبالغ طائلة للاستمتاع برحلة سياحية مع وجود رحلات سياحية أخرى بمبلغ أقل وبميزات أفضل، إذ ينبغي دراسة كافة الاحتمالات المترتبة على قراره الذي ربما نتج عن فكرة عابرة أو معتقد خاطئ.

إن تأثير ارتفاع معدل التضخم على الحياة اليومية الاجتماعية للأفراد يعتمد بدرجة كبيرة على قرار المستهلك في تحديد أولوياته للحصول على حياة كريمة هانئة بعيدة عن المنغصات التي ربما تطرأ جراء اتخاذه قرار ناتج عن رغبة فطرية أو لإرضاء نفسه وغيره، ومع عودة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة «كوفيد-19» ينبغي عدم الاستعجال في اتخاذ قرارات مالية تنعكس سلبا على الوفاء بمتطلبات حياته اليومية، إذ أصبح من الضروري تكاتف الجهود الإعلامية الحكومية عبر زيادة التنسيق بينها لتعزيز الرسائل الإعلامية وتكثيفها حول مفهوم التضخم وتداعياته على الحياة اليومية لأفراد المجتمع خلال المرحلة المقبلة عبر إطلاق حملات إعلامية توعوية في مختلف وسائل الإعلام والتواصل، بالإضافة إلى تبني مؤسسات التعليم العالي منهجا تربويا يسهم في توعية الطلبة شريطة توفر كادر تدريسي مؤهل ومُمَكن لنقل المعارف والخبرات في التعامل الواقعي بكيفية التعامل مع التضخم في الحياة اليومية وليس بالضرورة أن يكون المتلقي متخصصًا اقتصاديًا أو مهتمًا بالمجال الاقتصادي، إذ لا بد أن يكون لدى أبناء هذا الجيل وعي اقتصادي كافٍ للتعامل مع ما يدور حولهم في الحياة اليومية خاصة في عصرنا الحالي والمستقبلي كون أن التضخم وغيره من المفاهيم الاقتصادية تتفاوت في تأثيراته على الأفراد وفقًا للأزمات الاقتصادية والسياسية التي ربما تحدث بشكل مفاجئ مما تسبب تحديا ماليا صعبا.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عُماني