الاقتصاد الموازي والجهود الحكومية

29 أغسطس 2022
29 أغسطس 2022

يعرف الاقتصاد الموازي أو ما يسمى بالاقتصاد الخفي أنه اقتصاد ضار ويصعب إيجاد تعريف دقيق له بسبب اتخاذه لأشكال عدة ويتطور وفقًا لممارسات غير مشروعة ينتهجها ممارسو أنشطته وتطبيقاته وتؤدي لتطوره وانتشاره، إلا أن بعض الاقتصاديين يعرّف الاقتصاد الموازي: أنه النشاط الاقتصادي الناتج عن كافة الأنشطة التي لا تسجل في حسابات الناتج المحلي الإجمالي وغير المدرجة في الدخل القومي ولا تخضع صفقاته التجارية للضرائب، فهو يمثّل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد العالمي عموما بالإضافة إلى دوره في تعريض مختلف الاقتصادات لخسائر كبيرة بسبب الأموال والدخول التي يجري تحصيلها عن طريق إنتاج السلع والخدمات وتداولها بطريقة غير قانونية خاصة فيما يتعلق بالإيرادات الضريبية الحكومية مما يستدعي مزيدا من التنسيق الفاعل لتعظيم الجهود الدولية لمواجهته والحد من انتشاره لما في ذلك من فوائد كبيرة للاقتصاد ومدخول جيد من الإيرادات المحصلة من الاقتصاد الموازي.

ويؤدي الاقتصاد الخفي إلى التأثير على الاقتصاد الرسمي للدول عبر تناقص عدد ساعات العمل في سوق العمل في الاقتصاد الرسمي للدولة بالإضافة إلى إضعاف معدل النمو الاقتصادي عن طريق نمو الناتج المحلي الإجمالي وتناقصه وأيضا عن طريق فقدان الحكومة للكثير من الإيرادات التي تؤثر على الموازنة العامة للدولة سلبيًا وعلى مستوى الإنفاق العام إلا أن كثيرا من الأشخاص يظنون أن الأنشطة التجارية التابعة للاقتصاد الموازي تمثل دخلًا إضافيًا في ظل انخفاض تكاليف الأنشطة التشغيلية، فبالرغم من تعدد أشكال الاقتصاد الخفي ومخاطره إلا أنه أصبح معضلة للدول عمومًا وللاقتصادات خصوصا فكلما زاد معدل الاقتصاد الموازي على حساب الاقتصاد الرسمي، زادت المعلومات والإحصائيات المضللة وغير الدقيقة عن الإمكانيات الاقتصاديّة الحقيقية للمجتمع مما يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي فهناك أنشطة تجارية تمارس دون تصريح من الجهات المعنية بإصدار تراخيص تلك الأنشطة مثل الأعمال المنزلية الإنتاجية والبيع على أرصفة الطرقات، وهناك أنشطة قانونية مرخصة ولكن تتضمن جزءا غير معلن عنه مثل المنشآت التي لا تضمّن جميع العُمال في سجلاتها الرسمية، وأنشطة أخرى غير مشروعة كعمليات التهريب وغسل الأموال.

وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن الاقتصاد الموازي يمثّل 50% من حجم الاقتصاد في العديد مـن الدول المتقدمة والنامية ويتركّز في القطاع الزراعي كون أنشطته تمارس يوميا مثل بيع المنتجات الزراعية والنباتية بين أفراد المجتمع، إلا أنه في بعض اقتصادات البلدان النامية يمثّل الاقتصاد الموازي نحو 80% من حجم الاقتصاد الرسمي وذلك لأسباب عدة أبرزها ارتفاع الرسوم على بعض التراخيص لممارسة الأنشطة التجارية، وارتفاع نسبة مساهمة الأفراد في التأمينات الاجتماعية مما يساعد الأشخاص في البحث عن وظائف غير رسمية للتهرب من دفع تلك المساهمات ورسوم التراخيص، بالإضافة إلى وجود تعقيدات في الإجراءات الإدارية في بعض البلدان وارتفاع نسب الضرائب.

إن الجهود المستمرة التي تبذلها حكومة سلطنة عُمان للتصدي لأنشطة الاقتصاد الموازي أو ما يسمى بالاقتصاد الخفي أثمرت عن تضييق الثغرات لممارسة تلك الأنشطة وإيجاد الحلول لأسباب تناميها عبر تبسيط الإجراءات الحكومية وسهولة إصدار التراخيص وتشجيع بيئة الأعمال من خلال إلغاء كثير من رسوم التراخيص وتخفيض أخرى بنسب وصلت إلى 90% بالإضافة إلى الوقوف على الملاحظات الواردة بشأن ممارسة الأعمال بدءًا من تسجيل النشاط التجاري في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والانتساب لغرفة تجارة صناعة عُمان للاستفادة من التسهيلات التي تقدمها الغرفة لرواد الأعمال، وإصدار التراخيص من الجهات المعنية بتلك التراخيص مرورا بالتسهيلات والدعم من هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وصولًا إلى ممارسة النشاط التجاري.

لقد أبهجنا القرار الذي أصدرته وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حديثا بشأن تنظيم مزاولة الأعمال المنزلية الإنتاجية لدوره في مكافحة أنشطة الاقتصاد الموازي والحد من انتشارها، إذ أن التنظيم ضروري لحماية المستهلك لتمكينه من مساءلة المنتجين في حال وقوع ضرر ولحماية المنتجين بجعل أعمالهم التجارية مُصرّحة، وقابلة للتقييم خاصة أن القرار عالج كافة التحديات التي تعترض أصحاب تلك الأعمال عبر توفير جملة من التسهيلات وأنواع الدعم لأصحاب الأعمال المنزلية الإنتاجية من حيث فرض رسم لا يتجاوز 3 ريالات عمانية لمدة ثلاث سنوات عبر منصة إلكترونية لا يتطلب حضور صاحب الشأن إلى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لتسجيل النشاط التجاري بالإضافة إلى أن الذي يحصل على التراخيص لممارسة الأعمال المنزلية سيكون بإمكانه الاستفادة من مختلف خدمات دعم هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كالجوانب التدريبية والتمويلية والمتابعة مما سيسهم القرار في مساعدة الجهات ذات العلاقة وتقليل الجهد والوقت عليها بسهولة الوصول لأصحاب تلك الأعمال والاطلاع على تفاصيل العمليات التجارية عبر مختلف منافذ البيع في حال حدوث أي ضرر على المستهلك سواء مادي أو صحي أو اجتماعي جراء شرائه لمنتج معين أو الاستفادة من خدمة معينة، إذ أن كثيرا من المنتجات التي تتداول خلال هذه الأعمال ربما تكون سببا في حدوث ربكة لبعض الجهود التوعوية التي تقوم بها الجهات الحكومية لحماية الأفراد من مخاطر الحصول على بعض المنتجات والخدمات.

إن الدور الذي تقوم به مختلف وسائل الإعلام في وسائل التواصل الاجتماعي في سلطنة عُمان ساعد الأفراد على أخذ جرعة كافية من التوعية بمخاطر ممارسة الأنشطة التجارية خارج إطار الاقتصاد الرسمي عبر توضيح الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية للاقتصاد الموازي، إذ أن ممارسة العمل التجاري تحت إشراف الجهات الرسمية يعد ضمانا لحقوق صاحب العمل وطمأنة للمستهلك بضمان توفر الاشتراطات الصحية للمنتج وحفظًا لحقوقه بعد الشراء وإعلاءً للمصلحة العامة للدولة عبر احتساب الأموال والدخول الناتجة عن العمليات التجارية في الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي بدوره يسهم في توسيع قاعدة الاقتصاد العُماني وتقويته.

ختاما، على الأفراد والمؤسسات الابتعاد عن تنمية الاقتصاد الموازي وعدم المساعدة في انتشار أنشطته والإسراع في تجفيف منابعه ومحفّزاته وإبلاغ المؤسسات المعنية عن المروجين له وذلك لأضراره المثبتة على الاقتصاد الرسمي ودوره في إحداث ربكة في تفعيل تطبيقات السياسات الاقتصادية مما تعيق الجهود الرامية لاحتواء الصدمات الاقتصادية.