الاقتصاد الموازي والاستقرار الاقتصادي

19 يونيو 2023
19 يونيو 2023

تعددت مسميات الاقتصاد الموازي والأبحاث والدراسات المرتبطة به، فهناك مسميات أخرى تطلق على هذا النوع من الاقتصاد من بينها الاقتصاد غير الرسمي، والاقتصاد الخفي، والاقتصاد المغمور، واقتصاد الظل، إلا أن حقيقته واحدة فهو اقتصاد قائم على ممارسة أنشطة تجارية غير مسجلة في الاقتصاد الرسمي للدول مما يربك الاقتصاديين عند احتساب مؤشرات النمو الاقتصادي، وينتشر كثيرا في المجتمعات النامية التي لا ترغب في دفع رسوم تسجيل بعض الأنشطة التجارية أو الضرائب المترتبة عليها. حقيقة واجهت صعوبة في إيجاد تعريف واضح ومعتمد للاقتصاد الرسمي، وأغلب المراجع التي اطلعت عليها توافقني الرأي في صعوبة اعتماد تعريف موحّد للاقتصاد الموازي رغم كثرة البحوث والدراسات حوله ولا يزال الجدل قائما حول تأطيره، إلا أن غالبية المصادر أجمعت على أن الاقتصاد الموازي هو عبارة عن مجموعة من الأنشطة غير القانونية أو غير الشرعية تنشأ على هامش الاقتصاد الرسمي للدولة، أما مكتب العمل الدولي فاعتمد تعريفًا للاقتصاد الموازي وهو أنه «مجمل النشاطات الصغیرة المستقلة بواسطة عمال أجراء وغیر الأجراء، التي تمارس خاصة بمستوى تنظیمي وتكنولوجي ضعیف، ویكمن هدفها في توفیر مناصب شغل ومداخیل لأولئك الذین یعملون بها، وكما أن هذه النشاطات تمارس دون الموافقة الرسمیة للسلطات ولا تخضع لمراقبة الآلیات الإداریة المكلفة بفرض احترام التشریعات في مجال الضرائب، والأجور الدنیا والأدوات المشابهة الأخرى المتعلقة بالقضایا الجبائیة وظروف العمل». ويؤدي نمو الاقتصاد الموازي وزيادة حجمه خاصة في الدول النامية إلى وجود تحديات في السياسات الاقتصادية للدول، ويشوّه المؤشرات الاقتصادية؛ فالاقتصاد الموازي يؤدي إلى بطء النمو في الناتج المحلي الإجمالي خاصة إذا كان نموّه أكبر من الاقتصاد الرسمي وبالتالي يصبح نمو الاقتصاد الفعلي أقل من الواقع والعكس صحيح، أيضا من مخاطر الاقتصاد غير الرسمي أنه يمثّل صعوبة في احتساب المعدّل الحقيقي للباحثين عن عمل؛ إذ إن كثيرا من العاملين في الأنشطة التجارية غير الرسمية يتم احتسابهم كباحثين عن عمل في الاقتصاد الرسمي وذلك لعدم وجود سجلات رسمية لهم في الجهات المعنية بالتوظيف والتشغيل، ومع انتشار أنشطة الاقتصاد الموازي وتنوّع ممارستها، بات من الضروري إضفاء الطابع الرسمي على هذه الأنشطة وذلك لثبوت أضرارها على الاقتصاد الرسمي للدول، وثبوت أضرارها على أفراد المجتمع من بينها الأضرار الصحية الناتجة عن بيع بعض المنتجات مثل المساحيق التجميلية وغيرها من المنتجات ويغفل عنها كثير من الأشخاص.

حقيقة ما نرجوه من أفراد المجتمع التاجر منهم والمستهلك هو اقتناعهم بمضار ممارسة الأنشطة التجارية خارج الإطار الرسمي وذلك لعدة اعتبارات، منها توفير الحماية الصحية والقانونية بين أطراف العملية الشرائية، وهنا أركز على المستهلك بالدرجة الأولى كونه المستقبل للسلع والخدمات المقدمة له فلا بد أن يكون واعيا بما يستهلكه من منتجات مع ضرورة التأكد من قانونية عملية الشراء من حيث توفّر فاتورة توضّح نوعية السلعة ومصدرها إضافة إلى سعرها ليكون قادرا على ضمان حقوقه، ومع قيام وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بإصدار قرار تنظيم مزاولة الأعمال المنزلية الإنتاجية بات من السهولة القضاء على كافة أشكال الاقتصاد الموازي عبر وقف التعامل مع غير الحاصلين على التراخيص الرسمية لممارسة النشاط التجاري، أيضا القرار ساعد أصحاب الأعمال المنزلية الإنتاجية على الاستفادة من الخدمات المقدمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في النهوض بأعمالهم وتطويرها وتذليل الصعوبات التي يواجهونها، وبالنظر إلى إيجابيات القرار فإنه أوجد الصفة الرسمية بين المشتري والبائع بل أصبحت العملية الشرائية تحت مظلة رسمية تضمن حقوق البائع والمشتري، وبالرغم من الفوائد المشار إليها في المقال حول أهمية إضفاء الصفة الرسمية للأنشطة التجارية في الاقتصاد الموازي، إلا أن أحد أبرز الأسباب وراء استمرارها هو تصوّرهم بأن الأنشطة المنزلية الإنتاجية لا تحقق أرباحا كبيرة ولا يستطيع أصحابها دفع الرسم الرمزي لإصدار التراخيص الحكومية لظنهم أن هذه المشروعات التجارية الصغيرة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم استدامتها وجدواها إضافة إلى توجّسهم من إلزامهم بقرارات حكومية مستقبلية مثل فرض الضرائب على الدخل وضعف فرصة الحصول على فرصة عمل في حال تم تسجيلهم كملّاك لهذه المشاريع، ولذلك أرى أن الإسراع في حصر الأعمال المنزلية الإنتاجية وعمليات الشراء والبيع الأخرى لتسجيلها رسميا ومتابعتها حتى تصل للمستهلك تعد رسالة اطمئنان له وحماية لحقوقه وحقوق البائع، والأهم من ذلك تطوير هذه الأعمال لتتحول إلى مشاريع ريادية ناجحة قادرة على المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان، وتكون سدا منيعا لأشكال التجارة المستترة.

إن أحد الحلول لمكافحة انتشار أنشطة الاقتصاد الموازي هو وجود منصة رقمية تسهّل من عملية البيع والشراء الناتجة عن الأعمال المنزلية الإنتاجية بحيث تشرف على المنصة كافة الجهات الحكومية بهدف استخلاص بعض المؤشرات الإحصائية والاقتصادية للاستفادة منها مستقبلا في مختلف المجالات، وبذلك نستطيع تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود المبني على مؤشرات إحصائية واقتصادية دقيقة خاصة فيما يتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي.