الاقتصاد الرقمي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة

20 يونيو 2022
20 يونيو 2022

تؤدي الأعمال والخدمات التجارية التي تقدمها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف القطاعات الاقتصادية دورا محوريا في التنمية الاقتصادية المستدامة لبلدان العالم، وكما هو معلوم أن المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة تعد مهمة في النجاح والأداء الاقتصاديين لأي بلد بسبب تركيز جميع البلدان على نمو مشاريع مثل هذه الأعمال؛ فبالرغم من التحديات التي تعرّض لها قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال جائحة (كوفيد-19) إلا أن القطاع يُعد من القطاعات الاقتصادية الواعدة في استيعاب الباحثين عن عمل ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تشير الإحصائيات إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تسهم بأكثر من 50% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتوفر فرص عمل كثيرة.

ومع التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، ساهمت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كثيرا في تنمية الاقتصاد الرقمي عبر استخدام البنى الأساسية للتحول الرقمي وتأهيل الكوادر البشرية ووضع استراتيجيات وخطط للاستفادة من التسويق الرقمي في إيصال منتجاتها وخدماتها للجمهور لرفع مساهمتها في الاقتصاد الرقمي مع الاستمرار في مساهمتها في الاقتصاد التقليدي.

يعرف الاقتصاد الرقمي بأنه عملية إجراء الأعمال التجارية من خلال الأسواق القائمة على الإنترنت وشبكة الويب العالمية بما يسمح بتدفق المعلومات والأموال بين دول العالم، فهو اقتصاد قائم على التحول الرقمي الذي يعزز مبدأ التواصل بين أطراف السوق ويوفر الوقت والجهد في الحصول على المنتجات والخدمات.

ويسهم الاقتصاد الرقمي بنسب متفاوتة في الناتج المحلي الإجمالي للدول بناءً على جاهزية البنى الأساسية للتحول الرقمي ومدى وجود الاستراتيجيات المنظمة والممكنة لهذا النوع من الاقتصاد وتطبيقها، فالتحول الرقمي يعد أحد الممكنات الضرورية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الرقمي.

على المستوى العالمي، وحسب آخر الإحصائيات فإن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقدّر بنحو 12 تريليون دولار بنسبة 15.5%، ومن المتوقع أن ترتفع مساهمته لأكثر من 50% خلال العام المقبل 2023 بسبب سرعة التحولات الرقمية في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خاصة بعد النتائج المالية الإيجابية التي حققتها خلال جائحة (كوفيد-19)، أما مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية فتقدّر بنسبة 12% فقط مع وجود تباين ملحوظ بين الدول، وقد تصل المساهمة إلى أكثر من 3 تريليونات دولار خلال السنوات العشر القادمة في حال اعتماد استراتيجيات دقيقة للاقتصاد الرقمي.

أما على المستوى المحلي، فإن سلطنة عُمان صنّفت في أحدث تقرير للمؤشر العربي للاقتصاد الرقمي 2022 من بين أفضل خمس دول عربية في مؤشر الاقتصاد الرقمي لعام 2022م، والذي يشير إلى الجهود التي تبذلها سلطنة عمان لمواكبة التحولات الرقمية التي يشهدها العالم وتحقيق الاستفادة القصوى منها.

وضمن تقرير حديث نشرته وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ارتفع مؤشر الجاهزية المؤسسية للتحول الرقمي في سلطنة عمان حتى نهاية العام الماضي بمقدار 4 درجات ليصل إلى 59 بالمائة مقارنة بـ55 بالمائة بنهاية عام 2020، مع بلوغ نسبة نضج الخدمات الرقمية 55 بالمائة.

ما يميّز الاقتصاد الرقمي عن الاقتصاد التقليدي أن الأول يركز على موارد المعلومات مقارنة بالموارد المادية، ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي عن طريق الابتكار والاختراع والمعرفة، فيما يركّز الاقتصاد التقليدي على الموارد المادية مقارنة بموارد المعلومات، ويسهم في النمو الاقتصادي عن طريق رأس المال البشري.

ووفقا لدراسة أجريتها بعنوان: «أثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» ضمن متطلبات الحصول على درجة الماجستير تبيّن أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بحاجة إلى الإسراع في تطوير البنى الأساسية للتحول الرقمي للمساهمة في الاقتصاد الرقمي خاصة بعد الأضرار المادية التي تعرضت لها نتيجة قرارات الإغلاقات المتكررة لمكافحة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) بالرغم من محدودية مواردها المالية وصعوبة إيجاد الكوادر البشرية الممكنة والمؤهلة.

قد يرى كثير من المهتمين بالاقتصاد الرقمي أن تحول الاقتصاد من تقليدي إلى رقمي سيساهم في ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل بسبب الاعتماد على العولمة الاقتصادية في ممارسة الأعمال، ولكن وفقا لبيانات صينية رسمية أكدت أن الاقتصاد الصيني الرقمي استطاع توفير نحو 200 مليون وظيفة عام 2018.

أرى أنه من المهم الاستمرار في تبني استراتيجيات دقيقة وشاملة لدراسة حجم الفرص الكامنة في هذا النوع من الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات التكنولوجية التي تهدف لتسريع التحول الرقمي لرفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي العُماني خاصة بعد اعتمـاد مجلس الوزراء الموقر حديثا البرنـامج الوطني للاقتصاد الرقمي والذي يستهدف وصول مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول 2040، وإذا تمكنّا من بلوغ هذه النسبة ستكون الفرص أكبر لتوطين الصناعات الرقمية وجلب المزيد من الاستثمارات في المجال الرقمي.

راشد بن عبدالله الشيذاني - باحث اقتصادي عُماني