الاقتصاد التشاركي والأزمات الاقتصادية

01 أغسطس 2022
01 أغسطس 2022

يعرف الاقتصاد التشاركي أو التعاوني (Sharing Economy) عالميًا على أنه نظام اقتصادي مستدام يقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل الإبداع والإنتاج والتوزيع والإنجار والاستهلاك التشاركي للسلع، والخدمات والمهارات بين مختلف الأفراد والمنشآت التجارية؛ إذ يتيح هذا النوع من الاقتصاد للأشخاص باستئجار أو استعارة السلع والخدمات بدلًا من إنفاق مبالغ باهظة لشرائها، فهو نموذج اقتصادي جديد يركّز على المشاركة بدلًا من الملكية. ويعد الاقتصاد التشاركي محركًا أساسيًا للاقتصاد، ومعززًا للنمو الاقتصادي خاصة في فترة الأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى دوره في ترتيب الأولويات في الإنفاق على الأصول والسلع والخدمات.

وفقا لإحصائيات صدرت حديثًا فإن قيمة الاقتصاد التشاركي تجاوزت 370 مليار دولار في 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.5 تريليون دولار في عام 2024 بزيادة 22 مرة مقارنة بـ 2013، حيث قدرت حينها بـ15 مليار دولار فقط؛ بسبب انتشار وسائل التسويق الإلكترونية، وارتفاع معدلات استخدام التقنيات الحديثة.

ولفهم أوسع للاقتصاد التشاركي، وكيفية توظيفه في حياتنا اليومية ينبغي فهم بعض الممارسات التي تساعد على تعزيزه وتطبيقه في المجتمعات، فمثلًا إذا كان لديك مركبة لا تستخدمها إلا مرة واحدة خلال (5) أيام العمل الأسبوعي فهذا يعني أن استخدامك للمركبة لا يتجاوز 20%، أو لديك منزلًا لا تسكن إلا في غرفة واحدة فقط، فهذا يعني أن 80% من المنزل والمركبة تستطيع أن تحصل على منافع مالية منها عبر تأجيرها لأشخاص آخرين، بحيث تتشارك منفعة الموارد المتاحة معهم، أو بإمكانك أن تستأجر مقدار استخدامك من المنزل والمركبة لتتشارك الموارد والمنافع أيضا.

فالإسراع نحو التحول الرقمي، وزيادة التوجه إلى استخدام تطبيقات الهواتف الذكية، والخوف من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي في بعض دوراته، وتداعيات جائحة كوفيد19 التي أجبرت الأشخاص على ابتكار نماذج اقتصادية غير تقليدية؛ لمواصلة النمو الاقتصادي يساعد على ازدهار الاقتصاد التشاركي، ويرفع من قيمته وإيراداته؛ إذ تشير الإحصائيات بأنه من المتوقع أن ترتفع حجم إيرادات الاقتصاد التشاركي لتبلغ 335 مليار دولار بحلول 2025،بالرغم من مميزات الاقتصاد التشاركي، فإنه لابد أن يكون المستخدم للمنصات والوسائل الإلكترونية أن يأخذ بعض المحاذير في الحسبان، وأن يكون حريصًا عند التعامل معها للتأكد من الأمان الكافي تعزيزًا لمبدأ الثقة بين المستخدمين، ومقدمي الخدمة وتفاديا للتعرض للاحتيال وانعدام الخصوصية؛ إذ يتطلب الأمر تكاتفًا بين جميع الجهات المعنية لحماية المستخدمين لتلك المنصات عبر تزويد الاقتصاد التشاركي، بأنظمة حماية قادرة على التصدي لعمليات الغش أو الاحتيال.

في سلطنة عُمان فتعد شركتا مندوب و OTaxi من النماذج الناجحة في تفعيل الاقتصاد التشاركي؛ إذ إن الشركتين تعملان على مشاركة الأرباح بين الشباب الباحثين عن عمل أو الراغبين في تعزيز دخلهم المادي، واستثمار أوقات فراغهم بين إدارة الشركتين، بالإضافة إلى دور الاقتصاد التشاركي في إيجاد تكاتف مجتمعي متحد عبر معالجة بعض القضايا المجتمعية، كضعف المدخول المادي لبعض الأسر، وتقليل نسبة الجرائم جراء الفراغ الذي يفسد بعض الشباب، ومع الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة نحو التحول الرقمي فإنه أصبح من الممكن الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد التشاركي في إيجاد منصات إلكترونية تساعد على تبادل المنافع الربحية بين الأفراد.

إن التحول نحو الاقتصاد التشاركي ربما تكون فكرة غير محبّذة في كثير من الأحيان، وذلك لعدم الاقتناع بمشاركة الأصول بين الأفراد، بالإضافة إلى رغبة الإنسان الفطرية بامتلاك الأصول بدلًا من استئجارها لدواعي الاستقرار الاجتماعي بالرغم من الضغوطات المادية التي يتعرض لها طيلة فترة دفع المستحقات المالية المترتبة على تمويل الأصول، وفي ظني يعود ذلك بسبب أن فكرة الاقتصاد التشاركي لم تكن راسخة، وبالتالي لم تتحول إلى معتقد لعدم الإيمان بأهميته وفوائده، فلم تُتُقَبَّل مجتمعيا فأصبحت سلوكًا غير محبذا أو غير مرغوبًا، أما في حال حظيت فكرة الاقتصاد التشاركي بقبول على نطاق واسع على مستوى الأفراد فإن تلك الفكرة ستصبح سلوكًا متكررًا؛ نتيجة الإيمان بها، وستتحول إلى ممارسة مجتمعية.

أرى أنه من الضروري إعادة ترتيب أولويات الأشخاص عند التفكير بالإنفاق على شراء الأصول في وقت الأزمات الاقتصادية خاصة مع استمرار تفعيل السياسات النقدية والمالية في بعض الدول التي تتأثر سريعا بتلك الأزمات، فليس منطقيًا أن ينفق الشخص نسبة مرتفعة من دخله الشهري على أصول تتناقص قيمتها مع مرور الزمن في ظل وجود خيارات أخرى تعزّز من الاستدامة المالية، وتتشارك الأرباح والمنافع المادية، وترفع من وتيرة نمو المحفظة الاستثمارية، بالإضافة إلى ذلك أرجو التفكير جديا في الحفاظ على السيولة المالية التي يمتلكها الأفراد، وإنفاقها وفق خطة مالية متسقة تتماشى مع الظروف المالية التي تواجههم عند تفعيل السياسات الاقتصادية، أو البحث عن خطط اقتصادية ابتكارية ذات كفاءة عالية، وعائد مالي مجزي بعيدًا عن التقلبات أو الصدمات الاقتصادية؛ لضمان ديمومة الموارد المالية، وتدفقها وعدم الاستعجال في اتخاذ قرار تملّك الأصول.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي عُماني

[email protected]