الارتقاء باقتصاد المحيطات
لكن حماية الأنظمة الإيكولوجية البحرية واستعادتها تكلف المال، والتدفقات المالية أقل كثيرا من الحاجة. لسدّ هذه الفجوة لا يجوز لنا أن ننظر إلى حماية المحيطات على أنها عمل خيري، بل كفرصة ــ استثمار عالي القيمة في مستقبلنا الجماعي. عملت رؤية اقتصاد المحيطات المزدهر الذي يوفر الربح في الأمد القريب والقيمة في الأمد البعيد من حيث الأمن الغذائي، وتشغيل القوى العاملة، والقدرة على الصمود، وحفز القادة السياسيين، ورواد الأعمال، والمستثمرين، والمنظمات الخيرية، وممثلي المنظمات المتعددة الأطراف، والمجتمع المدني في منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل.
وقد مَـثَّـلَ بهذا خطوة أولى مهمة نحو ترسيخ حماية المحيطات حيثما كان ذلك مؤثرا داخل قطاع الصناعة المالية. لكن الاستثمارات «الزرقاء» الجديدة التي أعلنت عنها الجهات العامة والخاصة والخيرية في منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل، والتي بلغت نحو 8.7 مليار يورو (10.1 مليار دولار أمريكي) لا تمثل سوى جزء بسيط من المطلوب لتحقيق الأهداف العالمية.
علاوة على ذلك؛ فإن الالتزامات المعزولة مهما بلغت من طموح لا تؤدي بالضرورة إلى الاستثمار المستدام والمنسق اللازم للارتقاء بالاقتصاد الأزرق. نحن في احتياج ماس إلى نهج أكثر استراتيجية يركز على الاستفادة من رأس المال العام والخيري للحد من مخاطر الاستثمار في المشاريع الإيجابية التي تصب في صالح المحيطات واجتذاب التمويل الخاص الطويل الأجل.
تبرز هنا ثلاث حتميات: الأولى تتمثل في إنشاء مجموعة قوية من المشاريع القابلة للاستثمار. في ظل الوضع الراهن تظل مبادرات عديدة واعدة عالقة في المرحلة التجريبية؛ فالافتقار إلى التمويل في المراحل المبكرة، أو المساعدة الفنية، أو السياسات التمكينية يعني أنها لن تصل أبدا إلى المرحلة التي تصبح عندها جذابة في نظر المستثمرين من القطاع الخاص.
تضطلع موناكو بدورها في سد هذه الفجوة؛ فقد جمع صندوق ReOcean Fund ــ صندوق أسهم خاصة يركز على المحيطات وتشترك في إدارته مؤسسة الأمير ألبرت الثاني أمير موناكو (التي أتولى رئاستها) وشركة موناكو لإدارة الأصول ــ 73 مليون دولار للاستثمار في شركات رائدة في مجال التكنولوجيات التي تَـعِـد بتعزيز أهداف حَـرِجة مثل استعادة الأنظمة الإيكولوجية البحرية، وإزالة الكربون من صناعة الشحن البحري.
لكن مسؤولية الحفاظ على مجموعة من المشاريع القابلة للتمويل تقع في نهاية المطاف على عاتق الحكومات وبنوك التنمية التي يجب أن تستخدم التمويل العام لإعادة تعريف مخاطر الاستثمار بحيث تعكس العوائد الاقتصادية الحقيقية المترتبة على حماية الأنظمة الإيكولوجية البحرية.
لا يجوز للحكومات أن تكتفي بوضع وإنفاذ قواعد اللعبة الصحيحة -لاسيما الخطط المكانية الإقليمية البحرية-، بل يتعين عليها أن تعمل كقدوة يحتذى بها.
وهذا يعني القضاء على إعانات الدعم الحكومية الرديئة التصميم والضارة، كتلك التي تدفع استغلال المخزونات السمكية المعرضة للصيد المفرط، واستخدام تلك الموارد العامة لتمويل المشاريع الإيجابية التي تصب في صالح المحيطات وتغطية تكاليف الانتقال لصالح القطاعات التي تعتمد على المحيطات.
مع دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية الأولى بشأن إعانات دعم مصائد الأسماك (WTO Agreement Fish 1) حيز التنفيذ الآن اتخذ العالم خطوة أولى تاريخية نحو الحد من صيد الأسماك غير القانوني، وغير المبلغ عنه، وغير المنظم وحماية المخزونات المعرضة للخطر بينما تستمر المفاوضات بشأن اتفاقية إعانات دعم مصائد الأسماك الثانية التي ستتصدى لقدرات الصيد المفرط.
يتعين على هذه المؤسسات أن تتابع العمل على تنفيذ هذه التعهدات، ويتعين على نظرائها أن ينضموا إليها. أخيرا يجب أن تكون التدفقات المالية في مختلف قطاعات الاقتصاد متماشية مع أهداف المناخ، والتنوع البيولوجي، والعدالة.
من منظور الحكومات يعني هذا دمج العوامل الخارجية البيئية والاجتماعية في الموازنات العامة مع مراعاة أنظمة المحاسبة الوطنية في حساب قيمة خدمات الأنظمة الإيكولوجية والمخاطر المالية الناجمة عن التدهور البيئي.
الجهات المالية أيضا ــ بما في ذلك المؤسسات الاستثمارية، والشركات، وشركات إدارة الأصول، وشركات التأمين ــ يجب أن تضطلع بدور حاسم في هذا الصدد، ليس فقط كجهات تمويل، بل أيضا من خلال التقدم كمهندسين أساسيين للاقتصاد الأزرق المتجدد والمستدام.
لتحقيق هذه الغاية يتعين على هذه الجهات أن تعكف على وضع تصنيفات ومقاييس واضحة تدعم اتخاذ قرارات متسقة، وتمنع الخداع الأخضر. ومن الممكن أن تساعد آليات التمويل المختلط، وائتمان وشهادات التنوع البيولوجي في توفير الحوافز المناسبة، ومواءمة التمويل الخاص مع نتائج الاستدامة القابلة للقياس. لقد بدأ اقتصاد المحيطات يتبلور.
فقد أرسى منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل أسسا مهمة، كما أن أدوات واعدة ــ مثل صناديق رأس المال الاستثماري التي تستهدف الإبداع في إدارة المحيطات، ومرافق الضمان التي تدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم المكرسة لتحقيق نتائج إيجابية تصب في صالح المحيطات، والسندات الزرقاء السيادية ــ تكتسب زخما متزايدا.
لكن الزخم المكتسب من هذا الصيف يجب ألا يُـهدَر. يجب أن يُـتَـرجَـم إلى استراتيجية واضحة ومنسقة طوال هذا العقد من الزمن.
