الإنذار الفلسطيني الأخير

10 أكتوبر 2021
10 أكتوبر 2021

كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يبلغ عشر سنوات عندما أقيمت الأمم المتحدة عام 1945، وقد خاطب الرئيس الأسبوع الماضي جلسة الهيئة العامة الـ75 وأعلن عن إنذار نهائي جريء. يتوفر لإسرائيل عام واحد للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية وإلا سيقوم الفلسطينيون بسحب اعترافهم بإسرائيل على حدود 1967 وسيتم التوجه إلى محكمة العدل الدولية.

الرئيس عباس كما هو حال أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لاجئ ولا يزال يمتلك أوراقا ثبوتية ملكيته لمنزله في مدينة صفد، وقد أعلم عباس الهيئة العامة للأمم المتحدة أن أوراقه كما أوراق الآخرين أصبحت جزءا من وثائق في عهدة الأمم المتحدة.

وقال الرئيس الفلسطيني: إن الوضع الحالي للشعب الفلسطيني ليس مسؤولية الشعب الفلسطيني، «لمن يعتقد أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام وإننا لا نفوت فرصة إلا أن نفوتها فأنا أتحداهم لإيضاح إذا رفضنا مرة واحدة عرض أصيل وجدي للوصول إلى سلام». لقد أعلن القادة العرب في سبتمبر 1967 وبعد حرب يونيو التزامهم بما سمي اللاءات الثلاث: (لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل ولا مفاوضات معها»، ولكن العكس يحدث الآن.

فكما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه مؤخرًا فإن إسرائيل هي الآن «ترفض الحديث مع عباس وترفض التفاوض بحسن نية وترفض الاعتراف بفلسطين».

يقول الرئيس عباس: إن الفلسطينيين «مستعدون للعمل كل العام الحالي لترسيم الحدود وحل كافة مشاكل الحل النهائي تحت إشراف الرباعية الدولية (الأمم المتحدة، أمريكا، الاتحاد الأوروبي وروسيا) وفقًا للقرارات الدولية».

وعند انتهاء السنة على إسرائيل إنهاء احتلالها، طبعًا لا ينوي القادة الإسرائيليون أن يعمل أي من هذا ويبدو أن شركاءهم الأمريكيين لن يضغطوا عليهم، صحيح أنه خلال لقاء القمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في البيت الأبيض قام الرئيس الأمريكي بصورة متوقعة تأكيد موقف إدارته المعارض لبناء المستوطنات وقدم ضريبة لفظية للحل المبني على إقامة دولتين. ولكن هناك أسباب واضحة تؤكد أن إدارة بايدن لا تنوي الضغط على اسرائيل لتنفيذ تلك الأمور بحجة أن ذلك سيفجر الائتلاف الإسرائيلي الهش.

ويبدو حسب التقارير الصحفية أن كلًا من بينيت وبايدن يعتقدان أن الوقت ليس ناضجًا لمفاوضات إسرائيلية-فلسطينية مباشرة.

من المعروف أنهما يفضل أن تتم معالجة أمور متعلقة «بتحسين نوعية الحياة» التي تواجه خمسة ملايين فلسطيني يقطنون تحت الاحتلال العسكري من دون العمل على نزع سببه.

لقد وصل الشعب الفلسطيني إلى نقطة الانهيار وجزء من ذلك سببه الرئيس عباس نفسه. ففي أبريل الماضي أجل الانتخابات التشريعية التي طال انتظارها بحجة خلاف حول التصويت في القدس الشرقية ولكن السبب كان لتجنب إمكانية خسارة حركته حركة فتح، كما وقامت قواته الأمنية بقمع المظاهرات المعارضة لذلك، عندما يعيش شعب تحت الاحتلال لمدة طويلة وتتوقف التطلعات بسبب توقف التحركات السياسية فإن مزاجهم سيتحول إلى مزاج محبط.

لقد استبدل العنف الدبلوماسية كوسيلة تفاعل مع الاحتلال بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ففي مايو الماضي أطلقت حماس صواريخ من غزة باتجاه مناطق إسرائيلية، وفي الصيف زادت أعمال المقاومة من استخدام المولوتوف إلى الاشتباك المسلح مع القوات الإسرائيلية.

لقد تعاملت إسرائيل مع ذلك بعنف وقد أوضحت حماس أنها مستعدة للقتال، وفي رد على العنف قامت إسرائيل بوضع قيود اقتصادية جديدة على الفلسطينيين ثم قامت بإعلان استعدادها للسماح بإعادة بناء القطاع ورفع الحصار بشرط تنفيذ تبادل أسرى، ولكن إسرائيل رفضت تقديم أي تنازلات لجعل تلك العملية ممكنة مما زاد من التوتر مرة أخرى.

وعلى تلك الخلفية هرب ستة سجناء فلسطينيون في سبتمبر الماضي من خلال نفق من سجن جلبوع رغم أنه من أكثر السجون تحصينا في إسرائيل، وعند محاولة إسرائيل استعادة الأسرى الهاربين تم تبادل النيران والصواريخ بين إسرائيل وغزة، فحماس التي تحتجز جنديين إسرائيليين وجثث جنديين آخرين شاركوا في معارك على غزة عام 2009 قد تعهدت بالمطالبة بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى الذين حاولوا الفرار، رغم كل ذلك لم تقم الولايات المتحدة بأي عمل يذكر وفشلت إدارة بايدن في إنتاج أي إطار سياسي لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ولم تقم حتى بوضع خارطة طريق لإنهاء الاحتلال.

وحيث إن الإدارات السابقة عينت موفد سلام للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فإن المسؤول الأمريكي الوحيد المعطى أي مسؤوليات لمتابعة النزاع هو مساعد نائب وزير الخارجية، ومثله مثل الإدارات السابقة فإن إدارة بايدن تستمر في إرسال الهدايا المالية وغيرها لإسرائيل وبذلك فإنها تصبح شريكا في إنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتكون مسؤولة جزئيا عن العنف الذي يجري.

وكما قال الرئيس عباس في خطابه للأمم المتحدة: «صبرنا وصبر شعبنا له حدود». لقد حصلت إسرائيل عبر العقود الماضية على تسامح من دول العالم لاحتلالها الأراضي الفلسطينية بسبب الجرائم المروعة ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، ولكن لا يمكن أن تبقى هذه الحجة لاستمرار قمع الفلسطينيين، لقد حان الوقت لإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة وتنفيذ تجميد حقيقي للاستيطان كما طالب مجلس الأمن في قرار 2334 وبضرورة البدء الفوري بمفاوضات صادقة بهدف إنهاء الاحتلال.

يريد الرئيس أبو مازن أن يرى تحرك باتجاه السلام قبل أن يغادر المشهد السياسي ويأمل أن يحرك إنذاره النهائي الولايات المتحدة من سباتها وإجبار إسرائيل التفاوض الجاد لإنهاء الاحتلال، لن يقبل الشعب الفلسطيني بأقل من ذلك.

__________________

**أستاذ سابق للصحافة في جامعة برينستون، والمؤسس والمدير السابق لمعهد الإعلام الحديث في جامعة القدس في رام الله.

** خدمة بروجيكت سنديكيت