الأمريكيون يهيئون لمرحلة ما بعد حماس وليس مرحلة ما بعد الإخوان!!

21 سبتمبر 2025
21 سبتمبر 2025

لا يمكن لأي محلل سياسي أن ينظر للعدوان الإسرائيلي على قطر والهجوم على مدينة غزة باعتبارهما حدثين منفصلين، في واقع الأمر أن الهدف منهما واحد وهو إكراه الوسيطين العربيين -تحت النار - للضغط على حماس للاستسلام الكامل للشروط الأمريكية -الإسرائيلية وهي تسليم كل الأسرى دفعة واحدة ونزع سلاحها وإنهاء خيار مقاومة الاحتلال والخروج من غزة ومن المشهد الفلسطيني تماما. العدوان غير المسبوق على الدوحة رسالته واضحة إذا لم تضغط على حماس لترضخ للاستسلام التام وقبول خطة ترامب. فالدوحة ومجتمعها الثري وبنيتها التحتية المذهلة ليست بعيدة عن تدمير سلاح الجو الإسرائيلي. أما الوسيط المصري فنصيبه من إكراه النار هو اقتحام مدينة غزة وتهجير أهلها نحو الحدود المصرية فيكون اقتحامها عنوة والوصول لسيناء محتوما.. فإذا أرادت القاهرة أن تتجنب صراعا قد يصل إلى حرب من الواضح أنها ليست متحمسة لخوضها فلتضغط على حماس لكي تسلم سلاحها والأسرى فيتوقف الهجوم على غزة ولو مؤقتا.

لماذا يصبح هذا الحديث مهما في تقديرات موقف علنية تستشرف التغيرات جيو -سياسية التي يدلف إليها الشرق الأوسط وتبشر بها كحقائق جديدة ستحدد علاقات ومسارات الشرق الأوسط مع القطب الأمريكي الأوحد المهيمن عليها هيمنة تامة. في هذه التقديرات يصل البعض إلى استنتاج مفاده أن الأمريكيين قرروا الانقلاب على علاقة تاريخية مع الإخوان المسلمين تميزت بالتوظيف المتبادل صبت معظمها في صالح الطرف الأقوى وهو الإمبراطورية الأمريكية. هذه العلاقة كانت من أهم مواريث العلاقات التي سلمتها الإمبراطورية البريطانية الآفلة للولايات المتحدة خليفتها في حكم العالم بعد الحرب العالمية الثانية. ويقدر هؤلاء أن الأدوار الإقليمية المؤثرة لدول مثل قطر وتركيا حاليا-التي منحت دورا وظيفيا بناء على طلب أمريكي يكونوا بمقتضاه قنوات اتصال ومقرات لقيادات الإسلام السياسي عامة والإخوان خاصة - ستكون أول من يتأثر وينكمش تأثيرها الإقليمي مع ما يقولون إنه تخلي واشنطن عن ورقة الإخوان.

من المؤشرات التي يستخدمها هؤلاء المحللون مؤشران رئيسيان الأول هو إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن مشروع قانون لحظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفها كمنظمة إرهابية وتقدم أعضاء في الكونجرس بمشروع قانون ومخاطبة السلطة التنفيذية لتقديم تقييم عن منظمات إسلامية أمريكية يزعمون إنها واجهة من واجهات الإخوان في الولايات المتحدة.

المؤشر الثاني هو إصرار الولايات المتحدة على القضاء التام على حركة حماس ومحوها من المستقبل وليس فقط نزع سلاحها وتخليها عن حكم غزة وصل التصميم إلى إعطاء روبيو مهلة أيام للحصول على ورقة استسلام من حماس.

على أهمية هذين المؤشرين ووجود جذور فكرية وتنظيمية لحماس في جماعة الإخوان إلا أن التمييز بينهما شديد الأهمية وربما من شأنه وضع التقديرات السابقة في سياق التساؤل أكثر منه في سياق التأييد.

إذا تركنا تاريخ استخدام الامبراطورية البريطانية للحركات الإسلامية في الهند وقبرص ومصر وشبه الجزيرة العربية الذي مكنها من إطالة احتلالها لهذه المناطق وركزنا على العلاقات والمصادر مع هذه الحركات التي أورثتها للولايات المتحدة سنجد تداخلا مذهلا وصل إلى حد قول ستيف بانون مستشار ترامب ساخرا من أحد المعلقين الذين يقولون إن بلدا خليجيا دفع مبالغ هائلة للإخوان المسلمين بقوله لا أحد دفع لهم مثل الولايات المتحدة.

حقق التعاون بين الأمريكيين والإخوان أكبر إنجازين استراتيجيين ثبتا النفوذ الإمبريالي الأمريكي في العالم العربي وفي الشرق الأوسط بمعناه الجيوسياسي الكبير الممتد لدى البعض من أفغانستان إلى القرن والشرق الإفريقي. في الخمسينيات والستينيات قبل الإخوان مباشرة وعبر وسطاء عرب شاركت واشنطن في ضرب حركة التحرر العربي بقيادة مصر وعبد الناصر وتحالفت في السبعينيات مع خلفه السادات لإخراج مصر من معسكر الدول المستقلة وتجمع عدم الانحياز وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي والوقوع تحت الهيمنة الأمريكية. في نهاية السبعينيات طلب زبيغنيو بريجنسكي مستشار كارتر للأمن القومي عبر السادات وعواصم خليجية مشاركة الإخوان مشاركة فعلية في حرب أفغانستان والانخراط فيما سمي وقتها بـحركة المجاهدين العرب وحضر مرشد الإخوان المصري عمر التلمساني أي زعيم الإخوان في العالم اجتماع بين السادات وبريجنسكي لتدشين التحالف. بعد قيامهم بتحقيق هدف الاستراتيجية الأمريكية في دحر الروس ارتدت هذه المجموعات إلى بلادها مشكلة أكبر حالة إرهاب تشمل بلدانا مثل مصر والجزائر والسعودية ودول أخرى. رأي حلف الناتو ١٩٨٠ أنه من مصلحته دعم الإخوان في الصراع الدموي الذي نشأ بينهم وبين النظام السوري الذي رفض صلحا مهينا مع إسرائيل أو التخلي عن التحالف مع السوفييت فطلب من الرئيس التركي كنعان إيفرين وقتها دعم الإخوان بكل السبل.

في غزو العراق ٢٠٠٣ ساهم الحزب الإسلامي وهو الفرع العراقي للإخوان في منح الشرعية للاحتلال الأمريكي وترأس زعيمه محسن عبد الحميد إحدى دورات المجلس الرئاسي الانتقالي الذي أسسه الحاكم الأمريكي للعراق جون بريمر.. التعاون بين الإخوان والأمريكيين هو عنوان المشهد السوري منذ ٢٠١١. تتبنى واشنطن الآن النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع المغروس في جذور الإسلام السياسي والذي عدل خطابه ليتسق مع الخطاب الإخواني وليس الجهادي السابق واختار مستشاريه من صفوف الإخوان. تشجع واشنطن النظام الجديد لعقد اتفاق أمني مع إسرائيل وتتعهد بضخ استثمارات في اقتصاد دمرته العقوبات والحرب مقابل مفارقة دمشق لموقعها الاستراتيجي والانضمام للمعسكر الغربي.

إذن لا تكمن مشكلة الأمريكيين في استمرار التعاون مع الإخوان وقد تنتهي الدعوات الداخلية لحظر الإخوان إلي التجميد كما حدث مع ٣ أو ٤ إدارات سابقة طرحت الفكرة ثم تخلت عنها.

المشكلة الحقيقية هي مع الجماعات المقاتلة ذات المرجعية الإسلامية أو الوطنية والقومية واليسارية التي ترفض التخلي عن المقاومة وترفض الخضوع للاحتلال الإسرائيلي. عندما سألت قبل شهرين قائدا بارزا في حماس عن الفرق بين الإخوان وحركة حماس قال لي «حركة حماس هي حركة ثورية وجماعة الإخوان جماعة محافظة وحركة حماس هي حركة تحرر وطني لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وليست حركة دينية ولقد تخلصنا في الميثاق الجديد من ربط حركتنا بالإخوان وأقمنا تحالفا استراتيجيا مع المقاومين في المنطقة بغض النظر عن المذهب سنيا كان أو شيعيا».

سيظل الأمريكيون في حاجة إلى الإسلام السياسي ذي الشعبية في المنطقة والحديث عن انفصام نهائي بينهما غير مرجح لكنها لن تتردد في سحق أي فصيل مقاوم يعطل هيمنة إسرائيل الكبرى على المنطقة. المهمة الوظيفية التي تم التخلي عنها هي رعاية حماس والجهاد وحزب الله من أي طرف إقليمي بقرار استقر على محوهم سلاحا وسياسة. كل المؤشرات تدل على أن الرسالة التي أبلغت لهؤلاء: أعدوا أنفسكم في السياسة والإعلام لمرحلة ما بعد حماس.. لكن هذه الرسالة - لا تتضمن أن يعدوا أنفسهم لما بعد الإخوان والإسلام السياسي مادام قابلا للتعاون العلني وغير العلني مع واشنطن. 

حسين عبد الغني إعلامي وكاتب صحفي