الأسواق والصراع الإيراني الإسرائيلي

23 أبريل 2024
ترجمة : قاسم مكي
23 أبريل 2024

يختلف خبراء الأمن القومي والمتداولون في الأسواق المالية، كما يبدو، حول ما سيعقب التصعيد الأخير للتوترات بين إيران وإسرائيل. والسؤال عن أي الفريقين على صواب (خبراء الأمن أم تجار المال) ستكون له عواقب مهمة ليس فقط على الشرق الأوسط غير المستقر أصلا ولكن أيضا لعافية اقتصاد العالم واستقرار النظام المالي.

فكرة «الشرق الأوسط الجديد»، كثيرا ما تظهر في توصيف معسكر الأمن القومي لما رشح بعد هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا عند بداية هذا الشهر.

بالتحديد هنالك خطوط عديدة تخطاها كلا الطرفين. فلأول مرة في التاريخ هاجم البلَدَان كل منهما الآخر مباشرة وليس عبر وكلاء وأهداف في بلد ثالث.

وجهت إيران عددا كبيرا من الصواريخ والمسيرات لم يسبق له أن خطر على البال ضد إسرائيل ردا على الهجوم الإسرائيلي في دمشق، والذي قتل عددا من كبار المسؤولين الإيرانيين. وجاء الرد الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي في أعقاب تحذير صريح من وزير خارجية إيران بأنها سترد على الفور إذا هوجمت مباشرة.

على الرغم من كل هذا كان رد فعل الأسواق هادئا نسبيا وتم احتواؤه. وبدلا من أن يضع المتداولون في الحسبان الآثار التي تنجم عن تصعيد مستدام في المهدّدات الجيوسياسية واحتمال ارتفاع أسعار النفط بقدر كبير ولفترة طويلة سارعوا إلى اتخاذ موقف معاكس للتحركات الأولية في أسعار العديد من الأصول.

يشمل ذلك سعر النفط، والذي هو أشد أسعار العالم حساسية إلى حد بعيد. وهو اليوم أقل عن مستواه قبل رد إيران على هجوم إسرائيل على القنصلية. لكن هذه الأسعار فشلت في الحفاظ على ارتفاعها الأوّلي بعد ورود آخر أخبار الرد الإسرائيلي.

يمكن أن تكون لهذا التباين في وجهات النظر بين السوق والخبراء نتائج تتجاوز كثيرا الاستقرار الإقليمي. فهي ترتبط مباشرة بأربع قضايا حددها صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع باعتبارها مهمة لعافية الاقتصاد العالمي والاستقرار المالي. إنها عدم كفاية النمو وعناد (ثبات) التضخم وعدم مرونة السياسات والضغوط المرتبطة بتفاوت عالمي أكبر في النتائج الاقتصادية ووضع السياسات.

وفي حين يمكن للاقتصاد العالمي معالجة عثرة عابرة إلا أنه أشد هشاشة من أن يكون قادرا على التغلب على صدمة اقتصادية جديدة وكبيرة. وتحديدا إذا حدثت جولة أخرى من التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل ستقوض النمو العالمي المتدني والهش أصلا وتُفاقم تضخم أسعار السلع في وقت يشهد ارتفاعا مفرطا في أسعار الخدمات وفرضَ مطالب على السلطات المالية والنقدية التي استنفدت الكثير من مرونة سياساتها وباتت لديها مساحة تحرك محدودة.

في الأثناء توزيع هذه الصدمة التضخمية الجامحة سيضخم التباينات الاقتصادية والمالية التي تفرض بعض الضغوط على النظام العالمي.

أولا، هناك محركان محتملان للنمو العالمي سيتضرران بشدة نسبيا لاعتمادهما الكبير على الطاقة المستوردة. إنهما اقتصادا الصين وأوروبا واللَّذين يواجهان أصلا ضغوطا وتحديات.

ثانيا، سيتضح أن التضخم في الولايات المتحدة أشد رسوخا في وقت يشهد تقدما مخيبا للآمال في خفض ضغوط الأسعار خلال هذا العام. وبالتالي سيشكل ذلك عائقا أكبر أمام الخفض المبكر لأسعار الفائدة بواسطة بنك الاحتياط الفيدرالي.

ثالثا، سيشهد ارتفاع قيمة الدولار القوي مزيدا من التعزيز وسيقوض ذلك التجارة والوساطة المالية (تيسير التدفقات المالية من المدخرين إلى المقترضين - المترجم.)

رابعا وأخيرا، مع تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية ستزداد علاوات المخاطر. وهذا سيقود إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.

تصبح مثل هذه الاعتبارات أكثر إلحاحا عندما نضع في البال ما لم يكن قد حدث في آخر الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل. فسواء عن قصد أو خلاف ذلك لم يُلحِق أي من الطرفين خسائر بشرية أو مادية كبيرة بالطرف الآخر. أيضا لم توظف إيران «ماديا» أية قوى أخرى موالية لها فيما كان يمكن أن يكون بسهولة هجوما أكثر شمولا على إسرائيل. من جانبها لم تستهدف إسرائيل المواقع النووية الإيرانية في ردها. كما لم تستسلم لضغوط أقرب حلفائها وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا كي تتحلى بقدر أكبر من ضبط النفس وتخفيف التصعيد.

كل هذا يشير إلى تحول مهم في دينامية «العلاقة» بين هذين البلدين. وما هو أهم أنها انتقلت من وضع متوتر ولكن مستقر نسبيا امتنع كل طرف فيه عن شن الهجمات المباشرة إلى وضع أكثر توترا ويصعب التنبؤ بمآلاته تم فيه إرساء سوابق خطرة ولدى كل طرف المزيد من الأسباب لتصعيد التوتر بوتيرة أشد.

وحين أقارن رد فعل الأسواق (تجاه التصعيد الإسرائيلي الإيراني) بآراء معظم خبراء الأمن القومي أتذكر حكاية الضفدع في الماء المغلي. (إذا وضعت ضفدعا في ماء يغلي سيقفز على الفور كي ينجو بجلده وحياته. لكن إذا وضعته في ماء دافئ ورفعت من درجة حرارته تدريجيا لن ينتبه الضفدع إلى الخطر حتى يفوت الأوان ويُسلَق حيَّا. والمقارنة هنا بين الضفدع والأسواق من جهة والماء المغلي والصراع الجيوسياسي الإسرائيلي الإيراني من الجهة الأخرى- المترجم.)

ليس هنالك شك في أن آخر جولة في التصعيد العدائي بين إسرائيل وإيران عبرت العديد من الخطوط ورفعت من درجة الحرارة الجيوسياسية لفترة مديدة في المنطقة. مع ذلك تبدو الأسواق حريصة على تجاهل هذا الارتفاع. وما جعلها تسترخي أننا لم نصل بعد إلى نقطة الغليان التي تتمثل في وقوع خسائر بشرية أو مادية كبيرة في الضربات المتبادلة بين الطرفين. ومن شأن بلوغ نقطة الغليان هذه إحداث اضطرابات اقتصادية ومالية كبيرة.

ونظرا إلى أن هذه المنطقة عرضة لأخطاء التقدير وعدم الفهم الكافي للخصوم ووقوع حوادث أثناء التنفيذ، قد يتضح أن رد فعل الأسواق (تجاه تطورات الصراع الإسرائيلي الإيراني) مفرط في التهاون واللامبالاة.