الأزمات الإقليمية تتصاعد والدبلوماسية تتراجع

29 نوفمبر 2022
29 نوفمبر 2022

بنظرة إلى المشهد السياسي الإقليمي والدولي يتضح أن الأزمات والصراعات والحروب تتصاعد في ظل اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل تصميم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على مساندة أوكرانيا مهما طالت الحرب الكارثية، كما أن الحرب في اليمن لا تزال تتأرجح بين الجهود السياسية وبين المشكلات في الداخل اليمني مع تصاعد الأزمة الإنسانية، كما أن الوضع في الصومال يزداد تعقيدا في ظل الهجمات المتبادلة بين الجماعات المسلحة المعارضة والحكومة في مقديشو، وفي شمال سوريا بدأ الوضع يتعقد مع الهجمات الجوية التركية على الأكراد بعد التفجير الإرهابي الذي شهده شارع الاستقلال في وسط إسطنبول وأدى إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى. كما أن الوضع في شمال العراق يزداد توترا في ظل الهجمات المتبادلة بين الجماعات المسلحة وبين القوات الإيرانية، كما أن الحال في ليبيا لا يسر.

على ضوء هذا المشهد المتأزم فإن الأوضاع الإقليمية والدولية تتجه إلى ما يمكن تسميته بالصراعات التي تتفاقم في أكثر من منطقة، وهذا يؤشر إلى جملة من المعطيات، وهي أن الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة ودخولها مرحلة الاستنزاف وتدمير البنى الأساسية خاصة في المدن الأوكرانية سوف توجد واقعا سياسيا جديدا على صعيد الصراع الدولي في ظل ظهور ملامح الأحلاف التي قد تقود النظام الدولي المرتقب، خاصة أن هناك استشعارا بالخطر الأمني لروسيا الاتحادية، وحتى الصين وإيران هذه الدول الثلاث مشتبكة استراتيجيا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، حيث إن خطر تمدد حلف الناتو إلى الجغرافيا الروسية يشكل تهديدا أمنيا مباشرا خاصة وأن التصريحات الأخيرة لأمين حلف الناتو يتحدث عن ضرورة حتمية لوجود كييف في الحلف بصرف النظر عن الاعتراض الروسي. فيما يخص الصين فإن الاشتباك مع الولايات المتحدة الأمريكية في تايوان وبحر الصين الجنوبي واقع من خلال الأحداث الأخيرة، خاصة أن هناك تعاطفا غير معلن من قبل الصين لروسيا الاتحادية. وكل المؤشرات تقول إن الصراع الاستراتيجي الكبير في العالم سوف يكون بين واشنطن وبكين، وهناك عدد من كبار المحللين الاستراتيجيين في واشنطن يرون أن ذلك التحدي الاستراتيجي هو أقرب إلى التحدي الوجودي، وهذا الأمر اتضح حتى بعد قمة الرئيس الأمريكي مع الرئيس الصيني في كمبوديا خلال قمة الأسيان رغم التصريحات الإيجابية حيث سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حظرا على استيراد التقنية من كبرى الشركات الصينية وفي مقدمتها عملاق الاتصالات هواوي.

فيما يخص إيران فالاشتباك مع الولايات المتحدة الأمريكية على صعيد تعقيدات الملف النووي وعلى صعيد الملاحة في منطقة الخليج العربي وعلى صعيد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في سوريا وعلى ضوئها فإن وجود التعاون والتنسيق السياسي بين بكين وطهران وموسكو ليس صدفة بل ينطلق من مفهوم أكبر وهو تهديد الأمن القومي لتلك الدول كما أن التعاون التجاري والاقتصادي والسيبراني والأمني بين تلك الدول الثلاث يتصاعد في ظل موجهات استراتيجية لا يمكن غض الطرف عنها ولعل تلك التحديات الاستراتيجية اتضحت في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي تصوري أن دخول الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة الاستنزاف وتصميم الغرب على دعم كييف إلى النهاية هو أحد المحددات الأساسية الذي سيجعل العالم في مفترق طرق صعب، خاصة أن تلك الحرب أصبحت تشكل خطرا على أوروبا بعد وصول عدد من الصواريخ إلى الأراضي البولندية، علاوة إلى حرب الطاقة المشتعل بين روسيا الاتحادية والغرب في ظل بدايات الشتاء الذي قد يكون قاسيا على الشعوب الغربية وهو ما جعل عددا من المظاهرات تنطلق في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، علاوة إلى الصعوبات الاقتصادية والتضخم الذي وصل إلى أرقام كبيرة كما أن هناك مؤشرات في الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذه الصعوبات. وعلى ضوء نتيجة الانتخابات الأمريكية النصفية فإن الدعم الاقتصادي والعسكري اللامحدود لن يكون متاحا في ظل تنامي أصوات في الكونجرس تنادي بأهمية المزيد من الموارد للطبقات المتوسطة والفقيرة في المدن الأمريكية في ظل تنامي الأسعار خاصة البنزين والتضخم وتنامي ظاهرة الفقر فيما يخص المشهد الإقليمي خاصة تلك الأزمات التي تم الإشارة لها، فيبدو لي أن العالم مركز بشكل كبير على الصراع بين روسيا الاتحادية والغرب في الحرب بالوكالة في أوكرانيا ويبدو لي أن تلك الحرب أصبحت واضحة المعالم في ظل إدارة الحرب، وأنه يصعب إجراء حوار سياسي بين موسكو وكييف لأن الأهداف الاستراتيجية بين موسكو والغرب متباعدة بشكل كبير، حيث ترى روسيا الاتحادية أن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو وهو تهديد وجودي لروسيا الاتحادية في حين يرى الغرب بأن توسيع الناتو في شرق أوروبا والبلطيق وانضمام أعضاء جدد كالسويد وفنلندا هو جزء مهم للدفاع عن أمن أوروبا، وهنا مكمن التعقيد في التوجهات الاستراتيجية بين الأطراف.

ومن هنا فإن إيران والصين تنطلقان من مفهوم الأمن القومي، وعلى ضوء ذلك فإن الوقوف مع موسكو هو ليس خيارا بل ضرورة وهناك تعاون عسكري بين العواصم الثلاث وإن كان غير واضح المعالم ولكن إيران تحدثت عن بيع مسيرات جوية لروسيا ولكن قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط والغاز الروسي وبأسعار تفضيلية، ومن هنا فإن معركة الإيرادات السياسية والاستراتيجية سوف تتواصل. أما فيما يخص الصراعات التقليدية للأزمات الإقليمية فسوف تستمر رغم الجهود الدبلوماسية التي تبذل على أكثر من صعيد. إذن الذي يقود المشهد السياسي الدولي في خضم كل تلك الحروب والصراعات الإقليمية هي الحرب الروسية الأوكرانية التي تحولت إلى حرب بالوكالة حيث تدفق السلاح الغربي بكميات كبيرة إلى كييف وتصاعد مشاهد القصف بين الطرفين وعلى ضوء المحددات الاستراتيجية لأطراف الحرب الروسية الأوكرانية فإن مزيدا من التصعيد سوف يتواصل والضحية الأساسية هو الشعب الأوكراني والشعوب في إفريقيا، وحتى عدد من الدول العربية التي تعتمد على القمح الروسي والأوكراني وبقية المواد الأساسية. أما الصراعات والحروب الأخرى فسوف تستمر وقد يتجه بعضها إلى الهدوء أو التجميد كما هو الحال في الحرب اليمنية.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي