الأبعاد الاقتصادية لاتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والهند

01 سبتمبر 2025
01 سبتمبر 2025

تمثّل الاتفاقية التجارية بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند منعطفا إيجابيا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين ومعززة للشراكات التجارية التي تنجزها سلطنة عُمان مع كبرى الاقتصادات العالمية، لا سيّما أنّ جمهورية الهند تعد قوة اقتصادية عالمية صاعدة تربطها علاقات اقتصادية وشراكات تجارية استراتيجية مع القوى الاقتصادية العالمية الأخرى. ويعد السوق الهندي فرصة جيدة لسلطنة عُمان من حيث التوسع ووصول السلع العُمانية إلى الأسواق العالمية؛ لعدة أسباب أبرزها حجم الميزان التجاري للهند مع الدول التي تشهد تسارعا في النمو الاقتصادي مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد عديد المنتجات من الهند، ورغم ذلك، أيضا سلطنة عُمان هي الطرف ليس المستفيد فقط من الاتفاقية، ولكنَّ لديها مقومات لوجستية تجعلها الطرف المهم والرئيس في نجاح هذه الاتفاقية من حيث موقعها الاستراتيجي المهم الذي يربط شرق العالم بغربه ووقوعها على مضيق هرمز أحد الممرات المائية المهمة اقتصاديا ولوجستيا وتمر عبره الطاقة بكميات كبيرة كونه الأكثر أمانا. 

تابعت خلال الفترة الماضية تفاعل مرتادي المنصات الإلكترونية على أقل تقدير، حقيقة ما زلت لم أستوعب حجم تشاؤم البعض من اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والهند، رغم تفهمي لبعض الأسباب المرتبطة بتوطين بعض الوظائف المتوقع أن تتولد مع بدء سريان الاتفاقية وفرض الهند نسبة معينة لتوظيف مواطنيها ضمن بنود الاتفاقية، ولو افترضنا أنّ الأمر كما يتصوّره البعض لكن فوائد الاتفاقية أكبر من سطحية التحليل وآلية التفكير التي يبثها البعض في المنصات الإلكترونية. فأبسط مثال على الفوائد المرجوة من الاتفاقية هي نمو حجم الاستثمارات بين البلدين ما ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي، ونمو عوامل الاقتصاد الكلي مثل الميزان التجاري ومعالجة ملف الباحثين عن عمل من خلال نمو الأعمال في سلطنة عُمان وربما كثرة الطلب على السلع العُمانية في السوق الهندي والأسواق الأخرى المرتبطة به ما يتطلب استيعاب أكبر عدد من الباحثين عن عمل لتلبية الطلب العالمي أو على أقل تقدير تلبية الطلب الهندي من السلع العُمانية. 

من الجيد أن نتوسّع في مداركنا ورفع مستوى الوعي عند التفكير أو التفاعل مع الموضوعات التي ربما تساعد على نمو الاقتصاد العُماني وازدهاره وتسهم في أن يكون أحد الاقتصادات الرائدة عالميا؛ خصوصا أن الاقتصاد العُماني وفقا للإحصاءات والأرقام المرصودة منذ سنوات، أصبح يسجّل أرقاما إيجابية في تقليص حجم الدين العام ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي وأيضا نمو الأنشطة غير النفطية وتحسّن مؤشرات القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى تضخم حجم الاستثمارات الأجنبية التي تعدّت حاجز 30 مليار ريال عُماني وفقًا لآخر النشرات الاقتصادية، ومع سريان اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان سيعزز ذلك من تنامي أسواق البلدين وأرى أنها فرصة واعدة لسلطنة عُمان واقتصادها لمزيدٍ من الريادة والنمو والازدهار، التي ستعزز من حجم الصادرات العُمانية إلى السوق الهندي خاصة والأسواق العالمية عامة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي والمساهمة بفاعلية في الجهود الوطنية للتنويع الاقتصادي. 

إن الأبعاد الاقتصادية لاتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند تشكّل أهمية كبرى من حيث نقل المعرفة والخبرات الهندية والابتكار في تطوير الصناعات العُمانية وتحسينها، وتعزيز مكانة سلطنة عُمان في الأسواق العُمانية، في تعزيز الاستقرار المالي من خلال الزيادة المتوقعة في قيمة التبادل التجاري بين البلدين الذي بلا شك سيرتفع إلى أكثر من 5 مليارات ريال عُماني، ولن يقتصر على تصدير النفط أو مشتقاته، وربما يمتد إلى تبادل أكبر في السلع التي تتميز بصناعتها سلطنة عُمان والهند، ما يجعل السلع في أسواق البلدين تحوي سلعا ذات تنوع مصدرها البلدين الصديقين، إضافة إلى ذلك ستمثّل الاتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والهند جانبا استشرافيا من حيث معرفة احتياجات السوق الهندي من السلع العُمانية، ما يشجّع المصانع العُمانية على توظيف الابتكار وإجراء مزيدٍ من البحوث والدراسات للوصول إلى متطلبات السوق الهندي من السلع العُمانية كمرحلة أولى ثم الأسواق العالمية كمرحلة متقدمة، أيضا من الجيد ألا نختزل أهمية الاتفاقية في هذين الجانبين، هناك فرصا واعدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من الخبرات التي يزخر بها السوق الهندي في تنمية قطاعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة واستدامة نموّها، إضافة إلى إيجاد حلول تطويرية للتعامل مع التحديات التي تعترضها كالاستفادة من الحلول الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي الداعمة لنمو هذه المؤسسات التي غالبا تواجه تحديات في التأسيس ليس بالضرورة مالية أو لها علاقة بمنظومة الاقتصاد ككل، لكن بعضها يعاني من غياب الفلسفة الإدارية المناسبة لمواصلة أعمالها واستدامتها. 

أرى أن هناك فرصا لتوطين بعض الصناعات الهندية في سلطنة عُمان من حيث نقل جزء من أعمالها في المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة؛ خصوصا أن هذه المناطق مهيأة للاستثمار وتزخر بمرافق داعمة للاستثمار وبناها الأساسية في تطوّر مستمر، إضافة إلى قيام الهيئة المشرفة عليها بإعفاءات مستمرة للضرائب والرسوم؛ تشجيعا للاستثمار الأجنبي وإيجاد بيئة استثمارية صحية، ولا أستبعد أن تشمل الاتفاقية بنودا مستقبلية من حيث القيام بمزيدٍ من الدراسات والبحوث الاستشرافية التي تسهم في تطوير اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والهند مثل إنشاء مصنعٍ لتركيب المركبات الهندية في المنطقة الخاصة بالدقم على غرار مصنع كروة للحافلات. 

أعتقد أن بعض التوجس من اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والهند يكمن في إغراق السوق العُماني بالمنتجات الهندية المتوقع أن يكون سعرها أقل مقارنة بالمنتجات العُمانية، لكن في رأيي أن حكومة سلطنة عُمان مدركة لأبعاد الاتفاقية وتأثيراتها المحتملة ونتائجها المنعكسة على السوق العُماني والصناعات العُمانية تحديدا وربما تفرض رسوما على المنتجات القادمة من الهند، لكن في المقابل علينا أن تكون لدينا خطة ترويج قوية بحيث يفرض المنتج العُماني جودته في السوق الهندي، مستفيدا من السمعة التي يحظى بها محليا وخارجيا ومستفيدا من أدوات التسويق الرقمي من خلال استراتيجية تسويقية تتكامل الجهات ذات العلاقة في تنفيذها. 

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي