استحقاق المجالس البلدية
تمثل المجالس البلدية في سياق التحول التنموي الراهن لسلطنة عُمان أحد أركان صنع السياسة العامة ومتابعتها في ظل ما حددهُ لها المشرع من أدوار واختصاصات. وتكتسب انتخابات المجالس البلدية في فترتها الثالثة أهمية فارقة في تقديرنا نظير عدة عوامل أهمها وجود مقاربة تشريعية جديدة لعمل هذه المجالس بعد صدور قانون المجالس البلدية المعدل 126/2020 وتعديل بعض أحكامه 38/2022 وصدور لائحته التنفيذية 44/2022 وكذلك صدور نظام المحافظات 36/2022 ومن قبلها صدور قانون مجلس عُمان 7/2021 ففي تقديرنا فإن هذه المحددات والبنى التشريعية رسمت خارطة الأدوار وساهمت في موضعة اختصاصات واضحة لعمل هذه المجالس وعلاقاتها بعدة مفردات منها:
- العلاقة بنمط التحول نحو اللامركزية.
- العلاقة الإدارية والاستشارية بالمحافظين.
- حدود الالتقاء والافتراق بين أدوارها وصلاحياتها وأدوار مجلس عُمان بغرفتيه.
- علاقتها بمكونات مشهد التنمية داخل المحافظات بمختلف أركانه وأبعاده.
- الدور المنوط بها في منظومة رسم وانفاد ومتابعة السياسات العامة الوطنية والمحلية.
أما العامل الآخر لأهمية انتخابات هذه الفترة فهو أنها تأتي مع وضوح مقاربة التحول نحو اللامركزية عبر سياقين مهمين: الأول يتجسد في طبيعة النموذج المرجو (لا مركزية إدارية واقتصادية) والآخر يتركز في طبيعة أولويات المرحلة بالنسبة لهذا التحول وما هي الدعامات التي تتصورها الدولة كمحركات لهذا التحول سواء من ناحية الموارد أو منهجية العمل في الإدارات المحلية أو التوقعات المرحلية وخاصة بنهاية خطة التنمية الخمسية العاشرة 2021-2025. العامل الثالث الذي لا يمكن أيضًا عزله عن معادلة الأهمية هو أن هذه الانتخابات تأتي وفق أدوات جديدة وهي فيما استحدثته وزارة الداخلية من نظام للتصويت عبر الهواتف الذكية وإلغاء المراكز الانتخابية وهذا التحول بالنسبة لنا كمختصين في علم الاجتماع سياق بالغ الأهمية كون أنه يحرر عملية المشاركة الانتخابية من الكثير من العوامل الاجتماعية التي كانت بشكل محدود موجهة للمشاركة الانتخابية كما أنه في الآن ذاته يضع الوعي العام (السياسي والاجتماعي) في محك الاختبار، الاختبار الذي يوازيه في المقابل الإدراك بأهمية المرحلة وبالاستثمار في القنوات المؤسسية الفاعلة التي تربط رؤية المجتمع وهواجسه وأفكاره ومبادراته وهمومه واحتياجاته وتطلعاته بصناع السياسة العامة على المستوى المحلي (الإدارات المحلية في المحافظات) وهو استحقاق في تقديرنا يجب التمسك به والبناء عليه وعدم التراجع بأي شكل من الأشكال عن المشاركة فيه إذا ما أردنا المساهمة في تحقيق أحد رهانات النموذج التنموي الراهن بوجود "مجتمعات ممكنة تسهم في صياغة أولوياتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتعمل ضمن إطار اللامركزية الإدارية والاقتصادية" – كما تحدده رؤية عُمان 2040 –
يمكننا إيجاز الأدوار الملقاة على عاتق الإدارات المحلية (المحافظات) حسب ما يحدده نظامها في ثلاثة أدوار مركزية (الدور الخدمي – الدور التنموي – الدور الاستثماري) ويعضد هذه الثلاثة أدوار النهج الذي ستسخدمه المكاتب في إدارة المشهد من خلال خلق علاقات واضحة وإيجاد أدوات منهجية ومتجددة في تفاعلها مع مكونات مختلفة (المجالس البلدية – القطاع الخاص – المجتمع المحلي – المؤسسات الحكومية – القطاعات الفئوية كالشباب والمرأة ..) إلا أن المتتبع لقانون المجالس البلدية والاختصاصات التي منحها المشرع لها سيجد أنه مقابل كل دور واختصاص يحدد للمحافظة/ المحافظ يقابله دور واختصاص مساند/ رافد يقوم به عضو المجلس البلدي لتسهيل تلك المهمة أو للربط بالمجتمع المحلي وإن اختلفت الصيغ سواء كان في إبداء الرأي أو في المتابعة أو في الاقتراح إلا أن نسق الممارسة ووضوح الرؤية وتجديد الأدوات تبقى هي الحاسم بالنسبة للأعضاء والمحافظات على حد سواء فيما يتعلق بفاعلية المجالس وفاعلية أدوارها خلال المرحلة المقبلة.
وفي تقديرنا الذاتي فإن هناك خمسة أولويات حاسمة لعمل هذه المجالس بالشراكة مكاتب المحافظين – على الأقل خلال الفترة الثالثة – وهذه الأولويات تنسجم مع أمرين أولهما تمهيد وتسريع التحول نحو تمكين الإدارة المحلية وثانيهما الأولويات الوطنية المرحلية الكلية. وهي في تقديرنا الآتي:
- العمل مع مكاتب المحافظين على وضع الخارطة الاستثمارية للمحافظة متضمنة مواقع الفرص الاستثمارية ونوعية النموذج الاستثمارية اقترانًا بما حددته الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية وآلية جذب الاستثمار المحلي والخارجي والتسويق لتلك الخارطة وهو ما يقترن بـالاختصاص (أ) من المادة (21) لقانون المجالس البلدية.
- تحديد جدولة للاحتياجات المحلية من المشاريع والخدمات خلال أفق زمني (3-4) سنوات بالعمل مع مكاتب المحافظين وفروع المؤسسات الحكومية والعمل على تفنيد تلك الاحتياجات من ناحية تمويل تنفيذها وإنشاءها سواء كان عبر الشراكة مع القطاع الخاص أو عبر تصعيدها في الخطط الإنمائية الوطنية أو عبر الشراكة المحلية وحفز التضامن المجتمعي.
- التركيز على تناغم المخططات العمرانية والهيكلية والعامة والمخططات الخاصة مع النمو التنموي والاستثماري للمحافظة وذلك عبر إبداء المرئيات حيالها واقتراح ما ينسب لمكاتب المحافظين أو لفروع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة في المحافظة.
- اقتراح خارطة الموسم الثقافي والسياحي للمحافظة بالتنسيق مع مكاتب المحافظين من ناحية ومع الفاعلين الثقافيين داخل المحافظة أفرادًا ومؤسسات من ناحية أخرى مع اقتراح المبادرات الكفيلة بتنشيط الموسم بما يضمن تعميق القيمة المحلية المضافة وحفز نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاستفادة من المكنة الثقافية والطبيعية والفنية للمحافظة عوضًا عن خلق مقاصد ثقافية وسياحية مكتفية لأهالي المحافظة.
- إيجاد آليات منهجية واضحة للتواصل بين أطراف التنمية الثلاثة في المحافظات (مكاتب المحافظين – فروع المؤسسات الحكومية – المجتمع المحلي) واقترح ما ينسب لتطوير تلك الآليات بشكل مستدام.
تلك في تقديرنا الأولويات المرحلية التي إن تم التركيز عليها في الفترة الثالثة فإنها ستمهد بشكل جيد لمسار التحول نحو اللامركزية من ناحية وتسهم في تنشيط الفعل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي داخل المحافظات من ناحية أخرى. كما أنها ستساعد في وضوح فاعلية المجالس ونشاطها في صيرورة التنمية المحلية. ويبقى الرهان على خيارات الأفراد التي يتوجب أن تكون مركزة على (البرنامج الانتخابي) كمحدد أساس في الاختيار وأن تغذي الأعضاء طوال فترة العضوية بالمقترحات والأفكار التي تعينهم على أداء اختصاصاتهم والمساهمة بشكل فاعل في إنجاح أجندة النموذج التنموي الجديد لسلطنة عُمان.
