إذا احتاج النهارُ إلى دليل!

29 أبريل 2024
29 أبريل 2024

أتى استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض «الفيتو» - في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت بتاريخ ١٩ أبريل الماضي - لإجهاض مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر لمجلس الأمن الدولي، والذي يوصي بموجبه المجلس الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول دولة فلسطين عضوًا كامل العضوية في المنظمة، وصوّت لصالحه ١٢ عضوًا من بين أعضاء مجلس الأمن الـ ١٥ وعارضته الولايات المتحدة الأمريكية وامتناع المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، ليسلط الضوء، على مدى مصداقية وجدية واشنطن في دعم حل الدولتين الذي يردده الجميع في هذه الأيام العصيبة كمخرج لهذه الكارثة التي يعيشها العالم المتفرج على جرائم الكيان الصهيوني في غزة. فكما هو معلوم، فإن دولة فلسطين، هي دولة غير عضو، ولها صفة المراقب بهيئة الأمم المتحدة، وذلك بموجب القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ٢٩ نوفمبر من العام ٢٠١٢م، بتأييد ١٣٨ دولة ومعارضة ٩ دول وامتناع ٤١ دولة عن التصويت، والذي أعربت فيه الجمعية العامة عن الأمل في أن يستجيب مجلس الأمن الدولي للطلب الذي قدمته دولة فلسطين للحصول على عضوية كاملة بهيئة الأمم المتحدة. وبالعودة - على عجالة - للبدايات التاريخية لهذا الأمر، أرى، أنه من المناسب التذكير بالقرار رقم (١٨١)، وهو القرار الذي يطلق عليه قرار تقسيم فلسطين، والذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ ٢٩ نوفمبر من العام ١٩٤٧م بتأييد ٣٣ دولة ومعارضة ١٣ دولة وامتناع ١٠ دول عن التصويت وعدم حضور مملكة سيام (تايلند حاليا)، وهي إجمالي عدد دول هيئة الأمم المتحدة في ذلك الحين والبالغ عددها ٥٧ دولة، ويتبنى خطط تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى ٣ كيانات جديدة:

١) دولة عربية: تبلغ مساحتها ١١ ألف كيلو متر مربع وتمثل ٤٢.٣٪ من مساحة فلسطين.

٢) دولة يهودية: تبلغ مساحتها ١٥ ألف كيلو متر مربع وتشمل ٥٧.٧٪ من مساحة فلسطين.

٣) القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.

وبالطبع، رفضت الدول والزعامات العربية هذا القرار المجحف، الذي أعطى لليهود الذين يملكون ٧٪ فقط من الأراضي الفلسطينية ولا يتجاوزون ٣٣٪ من السكان الحق في دولة ليست لهم وبمساحة أكبر من أصحاب الأرض الأصليين. وبعد حرب ١٩٦٧م واحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة أصبحت دولة الكيان تستحوذ على ما نسبته ٧٨٪ من أرض فلسطين التاريخية مقابل ٢٢٪ فقط من الأراضي التي يمكن أن نطلق عليها أراضٍ تابعة لدولة فلسطين المؤملة. وبالعودة لقرار مجلس الأمن (٢٤٢) الذي صدر في نوفمبر من العام ١٩٦٧م بعد الحرب، والذي أكد المجلس فيه على ضرورة العمل من أجل سلام دائم وعادل وعدم القبول بالاستيلاء على أراضٍ بواسطة الحرب، والذي اتفق الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني في اتفاقية أوسلو التي وقّعتها منظمة التحرير الفلسطينية - بصفتها ممثلة للشعب الفلسطيني - مع إسرائيل في واشنطن بتاريخ ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م على اعتباره أساس التسوية بينهما.

وبعد مرور ما يزيد على ٣٠ عاما منذ هذا الاتفاق، والمراوغة والمماطلة في المفاوضات وزيادة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ارتفعت نسبة سيطرة دولة الاحتلال إلى أكثر من ٨٥٪ من المساحة الكلية للأراضي في فلسطين التاريخية، مقابل أقل من ١٥٪ لأراضي السلطة الفلسطينية. وبالطبع، خلال هذه المدة مارس الكيان الصهيوني كافة أنواع الإجرام والتنكيل في حق الفلسطينيين، وتعمد إضعاف وتهميش السلطة الفلسطينية، بالمخالفة لكافة القوانين والأعراف الدولية وقرارات مجلس الأمن المعنية بهذا الشأن. ومما شجع الكيان الصهيوني على ارتكاب هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، هو الدعم اللامحدود، والوقوف الدائم للولايات المتحدة ومنعها المجتمع الدولي ومجلس الأمن من القيام بأي إجراء يعاقب الكيان الصهيوني أو يمنح الفلسطينيين حقوقهم التاريخية والقانونية والإنسانية وما يحدث في غزة حاليًا من جرائم مروعة وإبادة جماعية ممنهجة بدعم مطلق من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية الفاعلة لهو خير دليل على ذلك. فالولايات المتحدة الأمريكية - حسب المصادر - استخدمت عبر السنوات الماضية حق النقض «الفيتو» ٤٧ مرة لحماية إسرائيل من المساءلة.. فهل بعد هذا الوضوح في الدفاع عن هذا الكيان الغاصب، هناك من يتوقع أو يعتقد أن الولايات المتحدة ستمنح الفلسطينيين دولة مستقلة، وهي التي أوصلتها إسرائيل إلى مرحلة قمع طلبتها المسالمين وأساتذتها الجامعيين في حرم جامعاتها العريقة لانتقادهم جرائم الكيان الصهيوني - الواضحة والعلنية - في غزة، في مشهد صاعق وصادم لكل الديمقراطيات في العالم، ليؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، بأن الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الغربية أصبحت، بامتياز، رهينة للصهيونية العالمية. وكما قال المتنبي: «وليس يصح في الأذهان شيء إذا أحتاج النهارُ إلى دليلِ». فلا أعتقد، بعد ما رأيناه في الـ ٦ أشهر الماضية من جرائم مروعة من خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، راح ضحيته أكثر من ٣٤ ألف شهيد و٧٧ ألف جريح والآف المختطفين، وتدمير كل الجامعات والمدارس والمعاهد والمساجد والمستشفيات وكل المباني الحكومية وعشرات الآلاف من المباني السكنية وكل مظاهر الحياة، والدعم العلني وتبرير هذا الإجرام الفاضح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية لكيانٍ عقيدته الأصلية القتل والتوسع، أن هناك ما يسمى «حل الدولتين» «قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ».