أوروبا تدخل مرحلة حاسمة في فرض العقوبات الاقتصادية

30 مارس 2022
30 مارس 2022

في عام 2003، كتب المحلل الأمريكي، روبرت كاغان، مقولته الشهيرة: "أوروبا تبتعد عن القوة وتتجاوزها في عالم قائم بذاته وتحكمه القوانين والقواعد". إذ بعد غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير، رأى الاتحاد الأوروبي أن الوقت قد حان لإثبات أن "كاغان" كان مخطئًا. فقد عَبأ الاتحاد الأوروبي القوة الاقتصادية، على الأقل، ضد العدوان العسكري الروسي، وفرض مجموعة من العقوبات النقدية، والمالية، والتجارية، والاستثمارية على روسيا.

وقوبل رد فعل أوروبا السريع والقوي بالترحيب. فقد كان تأثير الصدمة بعد تجميد الكثير من احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي قويًا. ولكن مع استمرار الحرب، هل ستبقى العقوبات فعالة؟ وإذا ضعُف تأثيرها، كما يبدو مرجحًا، هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تصعيدها بطريقة مجدية؟ هناك بوادر مثيرة للقلق وهي أنه بعد قرار الاتحاد الأوروبي في 15 مارس منع واردات الصلب من روسيا وصادرات السلع الفاخرة إليها، لم يعلن عن إجراءات أخرى أثناء اجتماع القادة في 24 مارس. ولن تجبر أوروبا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على التراجع من خلال حرمان القلة الروسية من أحدث حقائب اليد من طراز Ferraris (فيراريس) وLouis Vuitton. (لويس فويتون). ولا يمكن لزعماء الاتحاد الأوروبي التهرب من مسألة فرض مزيد من العقوبات المحتملة. إذ في 7 من مارس، بعد أيام قليلة من تجميد الاحتياطيات الروسية، تراجع سعر صرف 100 روبل إلى 0.72 دولار فقط، مقارنة بـ1.30 دولار في أوائل فبراير. بيد أنه بحلول 27 مارس، تعافى الروبل ليصل إلى 0.99 دولار. وأكد "روبن بروكس" من معهد التمويل الدولي أن روسيا تعمل على تكديس فوائض ضخمة في الحساب الجاري، لذا، فهي في طريقها إلى إعادة بناء احتياطياتها وقدرتها على الاستيراد. ولم يكن منع البنك المركزي الروسي من الوصول إلى احتياطياته مكلفا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ولكن أي خطوات إضافية، بما في ذلك، خفض واردات النفط والغاز، أو منع مجموعة أوسع من الصادرات، أو مطالبة الشركات الأوروبية بالانسحاب من روسيا، ستترتب عليها تكلفة اقتصادية على أوروبا.

وهذا هو سبب تردد الاتحاد الأوروبي. إذ يناقش صانعو القرار فرض حظر على الطاقة أو فرض ضريبة على النفط الروسي، وتخفيض تدريجي لواردات الغاز. ولكن المستشار الألماني، أولاف شولتز، لا يزال يعارض، محذرًا من أن القطع المفاجئ لواردات الطاقة الروسية من شأنه أن يغرق ألمانيا وأوروبا في كساد اقتصادي.

كم سيكلف تضييق الخناق على روسيا؟ إن الحرب في أوكرانيا جعلت التوقعات الاقتصادية قاتمة بالفعل. إذ تفيد آخر تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أنه بافتراض استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، سينخفض نمو منطقة اليورو بنحو 1.5 نقطة مئوية، وسيرتفع التضخم بنقطتين مئويتين. وهناك تقييمات أخرى تتسم بقدر أكبر من الاعتدال، ولكن فقط لأنها تبدأ من افتراضات أقل سلبية.

وتبدو هذه التغيرات السلبية كبيرة، ويجب اتخاذ نوعين من الاحتياطات. قبل بدء الحرب، كان متوقعًا أن يكون النمو في الفترة 2022-23 مزدهرًا؛ إن تراجع توقعات النمو بنسبة 4٪ بنقطتين مئويتين لا يعادل تراجع توقعات النمو بنسبة 1٪ بهذه النسبة. وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ملاحظة لها أن السياسات الحكومية، مثل الدعم المالي الموجه للأسر ذات الدخل المنخفض والأشد تضررًا، يمكن أن تساعد في تخفيف الصدمة وتقليل العجز في النمو. والسؤال الأصعب هو كم سيكلف أوروبا لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية والتخلص منه في نهاية المطاف، أو، للصمود أمام حظر الصادرات الروسية. وهناك بيانات مخيفة؛ إذ في عام 2019، استورد الاتحاد الأوروبي من روسيا 47٪ من فحمه، و41٪ من غازه، و27٪ من نفطه. ورغم أن الفحم والنفط يعتبران سلعتين عالميتين، مما يعني أنه يمكن استبدال أحد الموردين بمورد آخر، فإن تدفقات الغاز تعتمد على البنية الأساسية لخطوط الأنابيب ومحطات الغاز الطبيعي المسال.

وفي الوقت الحالي، يصعب على روسيا تصدير غازها إلى أي مكان آخر غير الدول الغربية، في حين أن قدرات الإحلال الأكبر لدى الاتحاد الأوروبي تضعها في وضع أقوى من خصمها. ولكن الابتعاد عن الغاز الروسي لن يكون سهلًا. وهكذا، فإن كلا الطرفين يلعبان لعبة "من يجبن أولا". في 23 مارس، أعلن بوتين أن روسيا ستقبل المدفوعات بالروبل فقط لتوصيل الغاز إلى "الدول غير الصديقة"، بما في ذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. وربما تكون هذه حيلة أولًا وقبل كل شيء لإجبار الاتحاد الأوروبي على انتهاك الحظر المفروض على التعامل مع البنك المركزي الروسي. ولكنها أيضًا وسيلة يستخدمها بوتين للإشارة إلى أن روسيا مستعدة لوقف تصدير الغاز إلى أوروبا والاستغناء عن الإيرادات المقابلة.

هل الاتحاد الأوروبي مستعد للرد على خدعة بوتين؟ تشير التجارب السابقة، مثل الإغلاق المفاجئ للمحطات النووية بعد كارثة "فوكوشيما" عام 2011، إلى أن النظام الاقتصادي يمكن أن يتكيف بسرعة مع الاضطرابات. وفي حالة ألمانيا، تشير ورقة استشهد بها روديجير باتشمان وآخرون على نطاق واسع إلى أن التكلفة الإجمالية للتوقف المفاجئ لواردات الطاقة الروسية تتراوح بين 0.5٪ و3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتبدو النتائج بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل متشابهة، لكن التأثير على دول مثل ليتوانيا، وبلغاريا، سيكون أكبر بكثير.

ومن المنطقي أن عدم اليقين السائد اليوم يجعل صانعي السياسة في أوروبا متوترين. ولكن حظر الطاقة أصبح الآن ضمن نطاق الاحتمالات في المستقبل القريب. ونظرًا لأن الغرب استثمر مصداقيته بالكامل في فعالية العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، سرعان ما سيتحول عدم إيجاد الحل إلى نقطة ضعف قاتلة. ولم يبق أمام الاتحاد الأوروبي سوى القليل من الوقت للاستعداد. وما يثير القلق هو أنه بدلاً من وضع خطط طوارئ لتكييف نظام الطاقة الأوروبي، وتطوير آليات أمن الطاقة الجماعية الجديدة، ودعم الدول الأعضاء الأكثر تضررًا، بدأت الحكومات الأوروبية بالتسرع في إبرام صفقات توريد فردية مع منتجي الشرق الأوسط. وكان الافتقار إلى الهدف المشترك لافتًا للنظر. ويأمل المرء أن يؤدي الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 25 مارس لتنظيم مشتريات الغاز المشتركة إلى تغيير في الموقف.

وينبغي لزعماء أوروبا أن يوضحوا للناس أنهم لا يستطيعون هزيمة خصم مستعد لتحمل انخفاض بنسبة 20٪ في الدخل القومي، إذا لم يكن الأوروبيون مستعدين للمخاطرة بتراجع بنسبة 2٪. إلا أن القادة الذين تجرأوا، في الآونة الأخيرة، على حبس مواطنيهم لمكافحة كوفيد-19 هم نفسهم من يرفضون الآن إخبارهم أن يخفضوا من السرعة أثناء القيادة من أجل توفير الوقود. ويدخل الصراع الاقتصادي بين أوروبا وروسيا مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر. وخطر الفشل أكبر من أن نتحمله.

جان بيساني فيري زميل أقدم في مركز الأبحاث (Bruegel) ومقره بروكسل وزميل كبير غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.