ألمانيا تسعى جاهدة لتشكيل سياسة خارجية جديدة

03 يوليو 2022
03 يوليو 2022

ترجمة : قاسم مكي -

ألمانيا لديها لحظة "البروسترويكا" الخاصة بها. والألمان، كما هي حال الروس في عهد ميخائيل جورباتشوف قبل أربعة عقود تقريبا، ليسوا متأكدين إلى أين ستذهب بهم (هذه اللحظة).

البروسترويكا تعني حرفيا "إعادة البناء". لكنها كانت ترمز إلى التغيير الجذري. في ألمانيا الكلمة المستخدمة اليوم هي"تْسايتِنْفَينْدَه" ومعناها نقطة التحول، كما أعلنها المستشار أولاف شولتز في خطاب أمام البوندستاغ (البرلمان الألماني) في فبراير بعد 3 أيام من غزو روسيا لأوكرانيا.

نقطة التحول في ذلك الخطاب كانت إيجاد صندوق خاص بقيمة 100 بليون يورو لتزويد القوات المسلحة الألمانية بالعتاد. كما كانت أيضا تعهدا بالوفاء بنسبة الإنفاق الدفاعي التي قررها حلف الناتو وهي 2% من الناتج المحلي الإجمالي (للبلد العضو في الحلف.)

هزت حرب أوكرانيا أوروبا. لكن الهزة لألمانيا وسياستها الخارجية كانت أعمق. لقد قلبت علاقة ألمانيا بالغة الأهمية مع روسيا رأسا على عقب. وهي تجبرها على التخلي عن سياستها الخاصة بالطاقة. بل ما هو أكثر أهمية أنها تقود إلى تغيير كلي لاستراتيجيتها الأمنية ودورها في العالم.

يراقب شركاء ألمانيا الأوروبيون كل هذه التطورات في فضول شديد على الرغم من أن أي ابتهاج عادة ما يقابَل بالحذر في برلين. فكما حذَّر ولفجانج شميدت رئيس أركان مستشار ألمانيا (مدير ديوان المستشارية) حين قال في مؤتمر للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يوم الأحد الماضي: "نقطة التحول ليست شيئا ثابتا. إنها وضعٌ متحرك. ما زلنا نحاول معرفة ما تعنيه نقطة التحول حقا. "

حتما سيجد النقاد في الداخل والخارج أن عملية معرفة نقطة التحول مفرطة في بطئها. وسيعبرون عن خيبة أملهم في عجز المستشار شولتز عن منح هذه الفكرة محتوى محسوسا بقدر أكبر.

مع ذلك هذا التغيير في الاتجاه يصيب المرء بالذهول. لقد صار لزاما على المستشار شولتز فيما هو يتأمل أنقاض سياسة حزبه الاشتراكي الديمقراطي "أوستبوليتيك" أو الانفتاح نحو الكتلة الشرقية الإقرار بأن الشراكة "مع روسيا المعتدية والإمبريالية غير مُتصوَّرة في المستقبل المنظور". لزمه أن يقول ذلك بعد انتقاد مستشاره الدبلوماسي ينس بليتنر على الملاحظات التي أدلى بها عن علاقة ألمانيا المستقبلية مع موسكو.

حدثان أزالا أخيرا غموضا مربكا ( في موقف ألمانيا) هما زيارة المستشار التي تأخرت كثيرا إلى كييف مع الرئيس آمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس وتأييده انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

هنالك اقتناع واسع النطاق في برلين الآن بفشل الشعار الألماني القديم "التغيير من خلال التجارة" بحيث يبدو تشبث آنجيلا ميركل العنيد بحماية "إرث سياساتها" غير متسق مع المزاج السائد.

فالمستشارة السابقة بعد ترجلها عن الحكم بوقت قصير جدا توجب على خلَفها (المستشار أولاف شولتز) القضاء على "نورد ستريم 2". وهو خط أنابيب الغاز الذي تم تشييده مع روسيا وباركته ميركل.

مع إغلاق روسيا صنابير أنابيب الغاز تسارع ألمانيا الآن إلى إدارة أوضاع نقص خطير في إمدادات الطاقة في تزامنٍ مع إنهاء اعتمادها على موارد الوقود الأحفوري الروسية.

وحين حذر وزير الاقتصاد روبرت هابيك المستهلكين الألمان مؤخرا من أوقات صعبة قادمة كانت رسالته إليهم جريئة وهي "هذا هو ثمن الحرية".

هنالك أيضا تكلفة باهظة للجهود المطلوبة لإعادة بناء القوات المسلحة الألمانية (بونديزفير) إلى جانب الحاجة إلى عقلية جديدة للمواطنين الألمان.

خارج وضعها المريح الذي تتيحه لها سياسة خارجية كانت تقودها التجارة لكن لم تعد كذلك، تواجه ألمانيا أيضا توقعات من حلفائها بشأن دورها القيادي. أنه سؤال قديم. لكنه ضاغط الآن.

هذا بلد خلال القرن الماضي إما هاجم الآخرين أو اعتمد على حلفائه للدفاع عن نفسه. والآن عليه أن يتقدم للدفاع عن بلد آخر هو أوكرانيا. لقد اكتشف أن أرففه (قدراته الدفاعية) فارغة. على الأقل هذا هو التفسير الرسمي للبطء المثير في تسليم الأسلحة لأوكرانيا.

النقاشات مع الساسة التي تدور في هدوء حول معنى القيادة الألمانية عادة ما تشمل سلسلة من الاعتبارات بشأن المسؤولية والطموح والثقافة أو التعاون. لكن يلزمها التوصل إلى تعريف أكثر دقة للدور الجديد الذي يتصور لارس كلينجبايل الرئيس المشارك للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن تلعبه ألمانيا على المسرح الدولي "بعد 80 عاما" من ضبط النفس.

قد تساعد على ذلك مبادرة من أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية وممثلة حزب الخضر. فهي ستدشن قريبا حوارا عاما سيشمل المواطنين الألمان حول إيجاد أول "استراتيجية أمن قومي" لألمانيا.

لكن تظل أسئلة عديدة بدون إجابة. فهل ستكون هنالك أيضا زايتنفيندة (نقطة تحول) فيما يتعلق بسياسة ألمانيا تجاه الصين؟ وكيف سيؤثر التحول في الموقف الذي دفعت إليه الحرب في أوكرانيا على الدينامية (القوى المحركة) الجديدة داخل الاتحاد الأوروبي؟ وهل سيساعد صندوق المائة بليون دولار في تشكيل صناعة دفاعية أوروبية جديدة؟

يقول المسؤولون الألمان اصبروا. سياسة الزايتنفيندة "لا تزال في مرحلة التعلم". لكن أوروبا هذه الأيام لا تملك ترف الانتظار.

سيلفي كوفمان رئيسة تحرير سابقة لصحيفة لوموند الفرنسية وزميلة أكاديمية روبرت بوش في برلين.

ترجمة خاصة لـ"عمان" عن "الفايناشال تايمز"