«أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدْ»

10 أكتوبر 2021
10 أكتوبر 2021

إعصارٌ مدمرٌ ( هكذا قيل ) بدأ عاصفة وابتلاء، واحتوى محبة وعطاء، وسينتهي سلاما رخاء بإذن الله.

هل يمكن كتابة ساعات القلق الأولى التي سبقت الإعصار؟ هل يمكن التعبير عن أرق ليلة الإعصار وترقبه في كل عمان ؟

لم يكن خوفا فرديا أو مناطقيا أو قبليا، وإنما كان خوفا واحدا على عمان قلبا واحدا، هنا بدأ اتحاد إنسان هذه الأرض بالتجلي حتى بلوغ أروع انعكاساته على أرض الواقع.

ما لبث القلق والخوف أن تلمّسا طريقيهما إلى شمال الباطنة، هنالك حيث توجهت بوصلة الأرض، وبوصلة النبض؛ لتضجَّ عمان بأكملها قلبا واحدا يدعو للأهل والأرض في امتزاج يصعب معه الخوف،وتندر برفقته العزلة.

كانت البيوت وحرمتها للجميع، يذودون عنها و يسعون إليها.

كان الغائب قريب الجميع حتى العودة أو إدراك يقين الفقد.

وكان الفقد فقدا تقاسمه الجميع حزنا ومواساة، ثم عزاء وصبرا.

وهل نملك ونحن المؤمنين إلا تلقي القدر بصبر جميل ؟!

حين سعت القلوب للباطنة، لم يكن ذلك المسعى مشهدا يخفت بعد دقائق أو ساعات أو حتى أيام، بل كان جسرا من تعاضد، يصعب على الجميع أن يقصّر في السعي إليه، أو العبور خلاله، كما يصعب على كل متابع ألا يتمنى أن يكون مع العابرين المخلصين ليفوز بانتمائه للصفوة ؛ صفوةَ صدقٍ وإخلاص ومحبة.

وكان لسان حال الجميع حينئذ: نحن عصبة ولا خير فينا إن لم نكن كذلك.

تلك القلوب عمانية في إخلاصها وإن كانت مشاربها مختلفة ومتنوعة، فيها العربي، وغير العربي من مواطنين ومقيمين في عمان السلام والمحبة.

جماعات وفرادى، شيب وشبان، نساء ورجال وأطفال، حملوا محبة هذه الأرض وإنسانها على أكفهم، ماضين بثبات وعزيمة لينكفئ طين العاصفة ؛ ويتجلى طين السخاء.

كيف يمكننا أن نقصّ على العالم هذه الحكاية التي استعصت على السرد، ولا نملك إلا مشاركتها كما هي ؟ كيف يمكننا أن نروي ما سمعنا وشاهدنا من يوميات لا يمكن أن تعبر إلا وقد نقشت آثارها الأغلى في قلوبنا، وعلى صفحة أرواحنا ؟

كيف يمكن لنا أن نوقّع الفخرَ بانتمائنا لهذه الأرض الطيبة، وهذا الشعب الوفي، ولا قِبَلَ لأحرفنا المتواضعة بعظمتها وعليائها ؟

شيخٌ ثمانيني وصلَ كلال ليِله بكلالِ نهاره حتى يسهم في إعمار ما تهدّم.

أطفالٌ يسافرون وأهلوهم من شمال وجنوب عمان لباطنة الحب، ساعين للمؤازرة ولو بكلمة طيبة.

مقيمون حفظوا لهذه البلاد الود والعهد، فأبوا إلا أن يكونوا ضمن هذا النسيج الأثيري البديع جهدا ومحبة.

ما أصعب أن نكتب عن هذه اللحمة ولمّا ينتهِ أمدها بعد ! ما أصعب كتابتها وما زلنا نعايش تتابع مشاهدها يوما بعد يوم ! فمن فاته أول المحبة أمسك بخيوطها ليجد ريحها في قلبه بعد حين، وما زالت عمان تبتسم مشرئبة شامخة بسواعد أبنائها.

ما أصعب أن نكتبها ونحن نعيش انفعالها الأغلى الذي يجمعنا صفا واحدا، وجسدا واحدا، وقلبا واحدا !

ومع ترقبنا القادم الأجمل بإذن الله فإننا لعلى ثقة بأن كلَّ غمة ستنجلي ما دمنا نحمل في صدورنا كل هذا الحب، وعلى سواعدنا كل هذا البذل والعطاء.

تساؤلات عديدة تضيء وتخفت في خضّم هذا الوقت الصعب إلا على عمان و محبيها:

هل ستمر أعاصير أخرى ؟ كيف ستكون قوتها ؟ هل ستعبرنا وأرضنا بسلام ؟

أسئلة لا يمكن كشف حجبها اللحظة، لكن اليقين الذي يمكن للجميع تبنيه واعتناقه أن إنسان هذا الوطن سيعبر كل التحديات بقلب من حديد لغد أفضل.

كانت القوافل تعبر في يوم جمعة مباركة شوارع عمان من مختلف جهاتها إلى شمال الباطنة، وكانت كلمات خليل حاوي تهتف في أعماقِ حاديها وأعماقنا:

«يعبرون الجسرَ في الصبح خفافا

أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدْ»