أرقام تغري بالتحليل

30 مايو 2022
30 مايو 2022

تحدثت في أكثر من مقال نشرته لي جريدة عمان عن الإحصاءات الوطنية وأهمية تفصيلها وشمولها ونشرها لإتاحتها للباحثين في شتى المجالات، لا سيما الاقتصاديون منهم. وقلت في أحد تلك المقالات: إن الأرقام والإحصاءات هي من أكثر ما يستثير فضول الباحث في الاقتصاد ويغريه لدراستها بالفحص والتحليل والاستنتاج.

زرت في الأسبوع الماضي معرض كومكس، الذي أقيم بمركز مسقط الدولي للمعارض والمؤتمرات، وهو من المعارض الدورية التي تشهد مشاركة واسعة وحضورا كبيرا، وتعرض فيه مؤسسات حكومية وخاصة ما لديها من برمجيات وتطبيقات إلكترونية، سواء كانت تلك المؤسسات قد طورتها بجهودها الذاتية أو اقتنتها من مطورين آخرين، وذلك من أجل أتمتة أو رقمنة الخدمات التي تقدمها لضبط جودتها أو للتسهيل على المستفيدين بتلك الخدمات. وقد كان من بين المنصات التي زرتها في المعرض، منصة المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، حيث يقدم القائمون على المنصة للزائرين شرحا ومعلومات عن كيفية الوصول إلى المعلومات التي ينشرها المركز، سواء من خلال موقعه على الشبكة العنكبوتية أو بواسطة التطبيقات على الهواتف المحمولة.

ولدى المركز الوطني للإحصاء والمعلومات موقع ثري بالمعلومات وعدة تطبيقات على الهاتف، ومنها تطبيق تظهر فيه نشرة شهرية بإحصاءات تشمل الأيدي العاملة الوافدة وسعر النفط والإيرادات الحكومية والواردات والحسابات القومية وغيرها من المؤشرات السكانية والاقتصادية. ويبدو أن بعض بنود الإحصاءات التي تظهر في التطبيق هي خليط لفترات زمنية مختلفة، فبعضها لشهر سابق وبعضها تراكمية، أي لعدة أشهر سابقة من العام، وبعضها عن ربع سنة من عام سابق.

آخر المعلومات التي يتضمنها التطبيق المذكور كانت النشرة الشهرية الصادرة في شهر مايو الحالي، وتشمل تلك النشرة معلومات بعضها عن شهر أبريل والأشهر التي سبقته من العام الحالي، وأخرى عن الربع الأخير من عام ٢٠٢١.

وقد أظهرت الإحصاءات الواردة في النشرة المذكورة أن الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأخير من عام ٢٠٢١ قد بلغ حوالي ٣٣ مليار ريال، وأن معدل النمو الاقتصادي في ذلك الربع قد تجاوز 16 % . وقد أظهرت النشرة أن مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي قد زادت بنسبة تجاوزت 18.5٪، فيما انخفضت مساهمة القطاعات غير النفطية بنسبة 6.4%. لكن المعلومات الواردة في النشرة لا تظهر ما إن كانت تلك النسب من الزيادة أو الانخفاض هي خلال الربع الأخير من عام ٢٠٢١ أم هي بالمقارنة مع العام الماضي كله أم لأشهر أو فترات منه! كما لم ترد في النشرة إحصاءات عن الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر المنصرمة من العام الحالي. ولعل المركز يستطيع في المستقبل القريب تحسين مستوى الإحصاءات التي يعرضها، بما في ذلك إدراج إحصاءات شهرية أو ربع سنوية عن الناتج المحلي، سواء على مستوى البلاد كلها أو على مستوى المحافظات والولايات والمدن. وعلى أي حال، لا بد هنا من إسداء الشكر للمركز على الجهود التي يبذلها في مجال جمع ونشر الإحصاءات والمعلومات.

ولما كان موضوع سوق وفرص العمل هو الموضوع الأكثر إثارة للنقاش، سواء على مستوى الحكومة والقطاع الخاص أو على مستوى الأسر والأفراد، فسأحاول في هذا المقال أن أعرض بعض الأرقام الواردة في النشرة الشهرية التي يصدرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، المشار إليها أعلاه. وسوف أتناول بشيء من التحليل بعض الإحصاءات والمؤشرات كما وردت في تلك النشرة.

تشير الأرقام الواردة في النشرة المحملة على تطبيق المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن عدد الأيدي العاملة الوافدة في نهاية شهر أبريل الماضي قد تجاوز 1.2 مليون عامل، وهو عدد يبدو أنه تراكمي، أي أن الرقم المذكور يشمل إجمالي الأيدي العاملة الوافدة في عمان حتى نهاية شهر أبريل الماضي.

أما التغير في ذلك العدد فقد كان بالزيادة بنسبة بلغت 1.8٪، ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك النسبة من الزيادة هي بالمقارنة مع شهر مارس الماضي، أم هي نسبة الزيادة في كل الأشهر المنصرمة من السنة الحالية أم غير ذلك! أما الأيدي العاملة الوافدة في القطاع العائلي، فقد أظهرت النشرة أنها بلغت أكثر من ٢٦٥ ألف عامل، وأظهر التقرير أن ذلك العدد قد زاد بنسبة 2.3 ٪. ومن غير الواضح هنا أيضا ما إذا كان القطاع العائلي الوارد في بنود النشرة يشمل عمال المنازل فقط، أو أنه يشمل أيضا عمالا يشتغلون في خدمات وأنشطة اقتصادية أخرى! وحيث إن نسبة الزيادة في هذا النوع من الأيدي العاملة الوافدة تفوق نسبة الزيادة في العدد الكلي الأيدي العاملة الوافدة فإن ذلك مؤشر يستحق الوقوف معه بمزيد من التحليل والدراسة من قبل المختصين والمهتمين بمواضيع سوق العمل. أما الأيدي العاملة الوافدة في القطاع الحكومي فقد أظهرت النشرة المذكورة أنها بلغت ٣٥ ألف عامل، وقد انخفضت عما كانت عليه بنسبة تزيد على 2.5 ٪، لكنه أيضا من غير الواضح ما إذا كانت نسبة الانخفاض هي بالمقارنة مع شهر مارس من العام الحالي أم مع شهر أبريل من عام ٢٠٢١ أم مع العام السابق كله أم غير ذلك! ويظهر في النشرة كذلك أن عدد العمانيين المؤمن عليهم في نظام التأمينات الاجتماعية قد زاد على ٢٧٨ ألف شخص، وأن نسبتهم قد زادت بأكثر من 1.1 % .

وبربط تلك الزيادة في عدد المؤمن عليهم مع الزيادة المشار إليها أعلاه في عدد الأيدي العاملة الوافدة إجمالا وكذلك في القطاع العائلي، يتضح أن ثمة زيادة في فرص العمل في البلاد عامة، وهو في نظري مؤشر إيجابي، وإن كان يبدو أن الفرص التي توفرت قد شغلها الوافدون بنسبة أعلى من العمانيين. لكنه قبل تأكيد ذلك يجب معرفة فرص العمل التي وجدت في القطاع الحكومي بشقيه المدني والعسكري، وفي الشركات غير المنتسبة إلى نظام التأمينات الاجتماعية. وقد أظهر التقرير الوارد في تطبيق المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن نسبة الباحثين عن عمل قد ارتفعت في نهاية شهر أبريل الماضي بنسبة تزيد على 9.5٪، ولكنه من غير الواضح كذلك مقارنة نسبة الزيادة بأي فترة. وهنا نود التأكيد على أهمية أن يقوم المعنيون بالتخطيط على توجيه النمو الاقتصادي نحو المشاريع التي تولد فرص عمل للمواطنين لاستيعاب المزيد منهم وخفض أعداد ونسبة الباحثين عن عمل.

تلك كانت وقفة قصيرة وتحليلا مبسطا للأرقام التي وردت في النشرة الشهرية لشهر مايو الحالي، الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عبر تطبيقه على الهاتف المحمول. وهي وقفة الهدف منها هو التذكير ببعض الجوانب المتعلقة بالاقتصاد عامة وبسوق العمل خاصة، ولعل ذلك يجد طريقه إلى المعنيين والمهتمين بالبحوث الاقتصادية.