أثر الشائعات في تشكيل الرأي العام

05 يونيو 2023
05 يونيو 2023

قبل الحديث عن أثر الشائعات في تشكيل الرأي العام لا بد أن ندرك أن الشائعة تعد إحدى الأدوات التي تستخدم في إرباك الرأي العام، وانتشارها أصبح بسهولة في ظل تطور شبكات التواصل الاجتماعي، بل أصبح لها دور في تغييب الحقائق والتلاعب بعقول الجماهير. ولم تعد الشائعة تقتصر على الجانب اللفظي المتداول بين الناس في مختلف الأماكن بل أصبحت موثّقة كتابيا تنتشر مع مستوى التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي. وكون أن الشائعة باتت خطرا حقيقيا ينبغي التصدي له بكافة الوسائل، أدى انتشارها إلى حدوث حالة إرباك في قياس الرأي العام وتشكّله مما أثّرت هذه الشائعات على إيصال الحقائق للجماهير، وأصبح قياس الرأي العام أكثر صعوبة بالرغم من تطوّر وسائل الإعلام ودورها في التصدي للشائعات، خاصة تلك التي تزيّف الحقائق وتدّعي مصداقية محتواها الذي يسمى المصدر الموثوق عبر إيهام الجماهير باستقاء الخبر من صاحب القرار، وعند الحديث عن الشائعة عمومًا لا بد أن نشير في هذا المقال إلى أن كثرة المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالشائعات ربما تكون أحد الأسباب الرئيسة في صعوبة فهم الجماهير لخطورتها وكيفية التصدي لها. وخلال اطلاعي على بعض المصادر بهدف الحصول على تعريف دقيق للشائعة تبيّن أن هناك عدة تعريفات لكن تتفق جميعها بأن الشائعة ليست بالضرورة خبرًا كاذبًا أو معلومة مغلوطة ولكن غير مثبتة الصحة أي أن ما يتناقل من أخبار ومعلومات عبر طرق تقليدية أو حديثة ربما يكون صحيحًا لكن خلال نقل المعلومة أو الخبر يقوم البعض بإضافة بعض المعلومات غير الصحيحة بهدف حشد أكبر عدد من المؤيدين، وهنا يبرز الخطر الأكبر للشائعة فربما تروّج لخبر مختلف ولا أساس له من الواقع أو تعتمد على المبالغة في نقل وقائع حدث ما؛ فمثلًا أولبورت يعرّف الشائعة في كتابه سيكولوجيا الإشاعة بأنها «كل قضية وعبارة مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى شخص دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق» بينما ديفونز وبورديا يرى أن «الإشاعة تحيل إلى مجموعة من الأخبار غير المؤكدة والتي يتم استثمارها وتداولها في سياقات تتسم بالغموض والخطر والتهديدات المحتملة، والتي تساعد على إدارة الأزمات التي يعيشونها وإضفاء معنى لحياتهم»، أما الأستاذ الدكتور عبدالرزاق الدليمي فيعرّف الشائعات في كتابه الدعاية والشائعات والرأي العام بأنها «الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع أو تعتمد المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي»؛ فتصديق الجمهور للشائعة عند إصدارها وتناقلها يسهم في تكوين صورة ذهنية بأن كل ما يتداول يعد صحيحا مما تساعد على تخليه عن المصدر الرسمي للخبر وإن كانت الشائعة هي خبر غير صحيح أو معلومة مغلوطة، بالرغم من أن المصدر الرسمي يوضّح الخبر ويقدم تحليلًا كميًا ونوعيًا للخبر، إلا أن العشوائية والفوضى في شبكات التواصل الاجتماعي تؤثر سلبا على تشكيل الرأي العام. وهنا نطرح سؤالا جوهريا.. هل مستوى التفاعل مع الموضوعات والقضايا في شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يشكّل رأيا عاما يمثّل الجماهير؟ في ظني أن هناك عشوائية وتوجهات عاطفية تجاه ما يطرح في العالم الافتراضي، فتارة نرى تناول بعض الموضوعات والقضايا بموضوعية ويعلو صوت العقل والحكمة في تفنيدها وإبداء الملاحظات والمقترحات حولها وتارة أخرى نلحظ هجوما حادا غير مبرر تجاه بعض الموضوعات بالرغم من تبيان أهمية الموضوع وجدواه لكن يأبى الكثير إلا أن يفتعل فوضى بهدف لفت النظر ويدّعي الحقائق والمصداقية فيما يقول، وهنا نستشعر قول الله عزّ وجل في كتابه العزيز «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».

إن أثر الشائعة على الرأي العام لا يقتصر على إعادة تشكيله بل يمتد إلى خطورة احتواء الآثار الناتجة عن انتشارها على نطاق واسع خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي التي توفّر منصات متنوعة يسهل تداول الشائعة فيها وتساعد على تحريك مشاعر الجمهور وعواطفهم تجاه بعض الموضوعات خاصة التي تلامس حياتهم الاجتماعية اليومية، ومع الجهود المبذولة للحد من انتشار الشائعات والحد من خطورتها وأثرها على أفراد المجتمع، أصبح من المهم وجود عقوبات رادعة في حق مصدّري الشائعات ومروجيها؛ إذ أنه من الملاحظ أن هناك علاقة طردية بين التطور التكنولوجي والتقني وبين سرعة انتشار الشائعات التي باتت أكبر خطر يهدد المجتمع ويربك مساعيه في محاربة التهديدات التي يتعرض لها وتستهدف قيمة ورموزه.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي