3 أسباب وراء الاستقرار اللافت لأسعار النفط

30 مارس 2024
30 مارس 2024

الإيكونومست / ترجمة : قاسم مكي -

ألا يلزم أن ترتفع أسعار النفط الآن؟ فالحرب عادت إلى الشرق الأوسط، وفي البحر الأحمر الذي يُنقل عبره عادة حوالي 12% من النفط المشحون بحرا تتعرض الناقلات إلى هجمات، ومنظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» تضع قيدا على الإنتاج. وذكَّر أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الناس بشبح عام 1973 عندما قادت حرب أكتوبر (العاشر من رمضان أو عيد الغفران) إلى مقاطعة نفطية عربية رفعت أسعار النفط إلى أربعة أضعاف خلال 3 أشهر فقط.

لكن أسواق النفط ظلت هادئة وتراوح تداول النفط في معظمه بين 75 إلى 85 دولارا للبرميل خلال جزء كبير من العام الماضي.

كانت هنالك استثناءات. فقد صعد خام برنت وهو نفط معياري عالمي إلى أعلى من 85 دولارا للبرميل في الربيع الماضي بعدما قالت «أوبك بلس»، وهي منظمة أكبر تضم روسيا، إنها ستخفض الإنتاج.

وعندما مدَّدت السعودية فترة سريان تخفيضات إنتاجها في سبتمبر قاربت الأسعار المائة دولار للبرميل. كما ارتفعت أسعار السوق مرة أخرى بعد أحداث 7 من أكتوبر. لكن في كل مرة عادت الأسعار بسرعة إلى نطاق 75- 85 دولارا للبرميل وأنهى برنت عام 2023 عند 78 دولارا للبرميل. وهذا أقل بأربعة دولارات عن سعره في بداية ذلك العام.

هنالك 3 أسباب وراء توقع تجار النفط استمرار هذا الاتجاه السعري في عام 2024. أولها العرض (الإمداد) والذي ظل لسنوات المحرك الأكبر لارتفاع الأسعار. ثانيا إن إنتاج النفط يتركز الآن بقدر أقل في الشرق الأوسط مقارنة بما ظل عليه الحال خلال معظم نصف القرن المنصرم. لقد تراجع إنتاجه من 37% من إجمالي نفط العالم في عام 1974 إلى 29% اليوم.

كذلك الإنتاج أيضا أقل تركُّزا وسط أعضاء «أوبك»، ويعود ذلك جزئيا إلى ازدهار النفط الصخري في سنوات العشرية الثانية والذي حوَّل الولايات المتحدة إلى مُصدِّر صاف للنفط لأول مرة منذ عام 1949 على الأقل. كذلك أيضا يساعد تنويع مصادر الإمداد تزايدُ الإنتاج في البلدان غير الأعضاء في «أوبك» مثل غيانا التي أنتجت كميات قياسية من النفط في العام الماضي، ووفقا لحسابات وكالة الطاقة الدولية ستغطي مصادر جديدة إلى جانب الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة وكندا معظمَ النمو في الطلب العالمي في عام 2024.

إلى ذلك استمرت صادرات النفط من روسيا، ثالث أكبر منتج في العالم، في التدفق على الرغم من قيود الغرب والذي في عام 2022 فرض 60 دولارا كحدٍّ أعلى لسعر برميل النفط الروسي الذي يُصدَّر عن طريق البحر.

رتب تجار مقيمون في دبي وسنغافورة على الفور أساطيل ناقلات لإرسال كميات هائلة من النفط المخفض إلى المصافي الهندية وغيروا بذلك طرق التصدير المعهودة بسرعة وبراعة مذهلة. ويتم الآن تداول النفط الروسي على نطاق واسع عند سعر أعلى من السقف الذي حدده الغرب. مع ذلك وفي جانب واحد على الأقل نجحت سياسة الغرب. فاستمرار توافر النفط الروسي أعان على منع ذلك الارتفاع المثير في الأسعار والذي كان يخشاه العديدون في عام 2022 عندما حظر الاتحاد الأوروبي واردات النفط الروسية بعد نشوب الحرب في أوكرانيا.

هنالك سبب آخر لهدوء أسعار النفط وهو الطاقة الإنتاج الاحتياطية الوفيرة لأعضاء «أوبك». بمعنى كمية النفط التي يمكن للمنشآت الموقوفة عن العمل الشروع في إنتاجها بعد فترة إخطار قصيرة.

عندما يكون الإنتاج غير كاف لمقابلة الطلب كما كانت هي الحال في بداية العشرية الأولى لم يكن للبلدان المصدِّرة مجال يذكر للاستجابة للزيادات التي حدثت في الطلب، وذلك يمكن أن يرفع الأسعار إلى عنان السماء، أما اليوم فالوضع مختلف.

تقدِّر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الأعضاء الأساسيين في أوبك لديهم طاقة إنتاج احتياطية تبلغ 4.5 مليون برميل في اليوم. وهذه الكمية أكبر من إجمالي الإنتاج اليومي للعراق، وفي الوقت الحالي يراهن تجار النفط على قدرة «أوبك» على التلطيف من أثر الاختلالات التي يتعرض لها الإمداد.

أخيرا هنالك الطلب نفسه، فالعالم لا تزال لديه شهية قوية للنفط. وحسب وكالة الطاقة الدولية سجل الطلب ارتفاعا قياسيا في عام 2023 وسيظل مرتفعا في عام 2024 لأسباب من بينها النمو في الهند.

لكن من المستبعد أن يقود الطلب إلى ارتفاع كبير في الأسعار. فالنمو الاقتصادي العالمي ليس في المستويات التي بلغها في بدايات العشرية الأولى من هذا القرن. والصين التي ظلت لفترة طويلة أكبر مستورد للنفط في العالم تعاني من نموٍّ اقتصادي هزيل، كما تجعلها التغييرات الهيكلية لاقتصادها أقل احتياجا للنفط، ففي العام القادم على سبيل المثال نصف السيارات الجديدة التي ستباع في الصين من المتوقع أن تكون كهربائية.

كما ستكون للسياسات المناخية الأخرى آثار مشابهة في بلدان أخرى. وفي الأجل الطويل سيقود تحوُّل العالم بعيدا عن النفط إلى المزيد من المرونة في السوق تجاه الصدمات الجيوسياسية وتخفيضات الإنتاج.

إن الضربات التي شنتها مؤخرا المُسيَّرات الأوكرانية على المصافي الروسية رفعت سعر برنت فوق 85 دولارا للبرميل لأول مرة منذ أوائل نوفمبر، لكن في الوقت الحاضر ارتفاع الأسعار يبدو متواضعا. ولن يكون من اليسير زعزعة استقرار أسواق النفط في هذا العام.