Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :خياراتنا.. ليست مشاعة

20 أغسطس 2019
20 أغسطس 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يظن خطأ من يعتقد أن مجموعة الخيارات المتاحة أمامه، تجعل من حقه أن يكيفها بالطريقة التي ترضي هواه، أو تروي غروره، حيث لا ملكية مطلقة له فيها، وإنما عليه أن يلتزم بمجموعة من المحددات، والنظم، والأعراف، المتفق عليها ضمنيا، أو النصوص الشرعية، أو القانونية، وفق سياق ما اعتاد عليه أفراد المجتمع من حوله، سواء هذه الخيارات: سلوكيات معتادة، أو ضروريات خاصة به فقط، أو مجموعة من التشاركيات التي يتقاسمها مع آخرين من حوله، ولذلك ليس يسيرًا لأحدنا -على سبيل المثال- أن يسير في طريق وهو يقود مركبته بالصورة التي يريدها هو، فهناك قوانين وأنظمة، تحدد اتجاه المسار ومقدار السرعة ولوائح إرشادية للدخول والخروج والانعطاف، وكما ينطبق هذا الفهم على مثال الطريق، ينطبق على علاقاتنا بالآخرين الذين عندما نتعامل معهم، علينا أن ننظم هذا التعامل وفق مجموعة المحددات التي يقرها العرف الاجتماعي، والآداب السلوكية، ومستوى الـ «سمت» المتوقع منا، وحتى عند دخولنا المساجد، والمحلات، والمجالس، والأماكن العامة، فكل هذه المواقع لها خصوصيتها في التعامل معها، وبالتالي مَن يتجاوز مجموعة الخطوط الحمراء -كما يقال- في مختلف هذه الممارسات، تتجه إليه سهام النقد، والتقريع، وقد يعرض نفسه للوقوف أمام منصة القضاء في حالة إصراره على إشباع رغباته فقط، دون النظر إلى مجموعة القيم والنظم الحاكمة والمنظمة للعملية التبادلية في مختلف هذه السلوكيات.

قبل عدة أسابيع نشر الادعاء العام -عبر إحدى الصحف المحلية- حكما على قضية وصفت بأنها انتهاك لخصوصية أنثى، حيث قام شابان بالجلوس مع شابتين في حديقة عامة، دون إذن منهما، وظن هذان الشابان أن المسألة مشاعة بالطريقة التي يريدانها فقط، دون الالتفات إلى مجموعة من القيم والأعراف وحساسية الموقف من وجود شباب أغراب بجانب فتيات غريبات نسبا وقربى، ولذلك جرم هذا الفعل، وطبق على فاعله العقاب، وهناك أمثلة كثيرة نسمع عنها، تعكسها ممارسات مختلفة في أفعالها وشخوصها، بعضها مصادفة وبعضها واضح فيها «مع سبق الإصرار والترصد» كما هو التعبير القانوني، ومما سمعت عنه أيضا أن هناك مَن يأتي لزيارة طبيب ويدخل على الطبيب دون أن يؤذن له، أو ينتظر دوره كالآخرين، مستمدا هذا الاستحقاق الـ «همجي» من وجاهته الاجتماعية التي يحظى بها بين أفراد مجتمعه، وهناك أمثلة كثيرة.

مرة كنت في حافلة نقل عامة، فدخلت امرأة الحافلة، وكانت كل الكراسي مشغولة، فإذا بأحدهم يترك الكرسي الذي يجلس عليه، ويطلب من المرأة -بكل أدب واحترام- أن تجلس مكانه، مع أن الجميع دفع المبلغ ذاته، وكان من حقه أن يحافظ على كرسيه، ولكنه آثر الوقوف مع آخرين، مقابل أن تجلس المرأة مقدرة ومصانة، هذا الجانب من أدب السلوك، وموقف يستحق التقدير والإشادة.

فاليوم -وكما هو دائما- هناك أناس يعتقدون خطأ أن كل ما هو أمامهم، يبقى أمرًا مشاعًا يكيفونه بالطريقة التي تحل لهم، دون اعتبار لقيم أو نظم قانونية، وهو نوع من الفوضى بلا منازع، فالعلاقات بين الناس، وبين الناس وما يحيطهم من أشياء كثيرة: معنوية، ومادية، هي تحتكم إلى القيم، وإلى التعامل الرشيد المبني على الاحترام والتقدير، والعطف والإحسان، وبالتالي متى اعتقد أحدنا أن كل ما يعنينا هو مشاع، ونكيفه بالطريقة التي نريد، أوقع نفسه في خطر كبير، وفي سلوك مشين، ولأصبحت كل العلاقات القائمة عبثية وسلطوية، وعدنا من جديد إلى مربعنا الأول، حيث «شريعة الغاب»، ومع كل أنشطتنا لتيسير شؤون حياتنا اليومية تظل هناك خيارات كثيرة متاحة أمامنا دون المساس بحقوق الآخرين، كثيرا ما تحدث مجموعة من التنازلات من قبل مختلف الأطراف؛ بغية البقاء على اللحمة الاجتماعية مصانة من تشويه، وبالتالي فليست هناك خيارات مشاعة بالطريقة التي نريدها، وفقا لأمزجتنا وأهوائنا.