مم نخاف؟
فلنخف من شيء محدد، واضح، إننا نقاوم عدونا بتسميته أولاً وقبل كل شيء، فإذا قرأنا الجريمة والعقاب لديستوفيسكي، تابعنا مع راسكلينكوف هلاوسه بشأن ارتكاب جريمته، نواياه، وحساسيته الشديدة تجاه مواقف الآخرين عنه، وقدرتهم على فضح أمره، إننا نتقدم في قصة تشبهنا، لكنها ليست هلامية، بل أشبه بدب ضخم نراه جيداً. قد أقترحُ عليك أيضاً أن تقرأ حلقات زحل للألماني العظيم زيبالد، فهذا العمل تحديداً أشبه بأدب الرحلات، في كل مرة نقف على ساحل جديد، بداية من مخلفات الحروب، وحتى عمل وتكاثر دودة القز، إن شبح الكآبة الذي يخيم على هذه الكتابة، له فعل عكسي، إذ يمكن أن يهدئك، ناقلا اياك لمساحات جديدة من كشف الحزن البشري والتعامل معه، إنه حزن يطمئنك في محنتك الحالية، فلست وحدك، وربما سيمضي هذا كله ذات يوم.
الكثير من أصدقائي عبروا لي باستمرار عن خوفهم مما يحدث. هل سيعود العالم كما كان، والظروف الاقتصادية التي مازالت الجائحة تخلفها كل يوم، زعزعت أماننا الاقتصادي، لقد أصبحنا مهددين في كل شيء، لكننا لو تأملنا الواقع قليلاً لأدركنا أنه ما من وقت لم نكن مهددين فيه، عالمنا المتسارع، وما بعد الحداثة، التي جعلتنا نستهلك كل شيء حتى ذواتنا، لطالما كنا تحت وقع مصير متذبذب، هنالك القنابل النووية وغيرها، هذه المرة يمكن معاً أن نفعل شيئاً على الأقل، أن نحاول. لا بأس إن هذا طبيعي، سيكون الأمر مخيفاً لو أننا لم نكن خائفين، إنها استجابة غرائزية لما يحدث، إننا نريد أن نبقى، تحدث مع الآخرين، قل بأنك خائف، قلها لنفسك، اجعل من حياتك رواية عوالمها الغامضة وتأني أحداثها ستتوقف في آخر الأمر مهما بلغت تراجيديتها.