أحمد الفلاحي
أحمد الفلاحي
أعمدة

"قلب عليه الطاولة" .. مصطلح المفاجأة

13 نوفمبر 2020
13 نوفمبر 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

مع أن المصطلح أعلاه مصطلح سياسي بالدرجة الأولى، إلا أنه يمكن الجزم على أن أغلب الناس؛ من خلال تجربة الحياة الطويلة؛ تعرضوا لموقف أو أكثر لـ"قلب الطاولة" فالعلاقة مع الآخر ليست يسيرة بدرجة أن الأمور تسير "تمام التمام" من الأمان، والتعاون، والتناصر، والتكامل، فهي معقدة ومتشابكة، ومتصادمة، وتوافقها نسبيا جدا، ويحدث هذا مع القريب والبعيد على حد سواء، ولو أن حدوثه من القريب أكثر إيلاما؛ كما هو معروف؛ لارتباك منظومة القيم القائمة بين أطراف العلاقات الاجتماعية؛ على وجه الخصوص. يعتمد "قلب الطاولة" على عنصر المفاجأة، ومن هنا تكون خسارة تداعياته كبيرة وخطيرة، وصادمة، والألم أكبر، والتضحية أكبر، لأنه يقع بعد فوات الأوان، حيث لا توجد فرصة للمواجهة، أو للتعويض بنفس ردة الفعل، وإنما يكتوي الطرف المتلقي لصدمة "قلب الطاولة" بنار المفاجأة والخسارة والألم، ويظل الجرح نازفا ومتقرحا، ويعمر زمنا طويلا، فلا يكاد ينسى، والمؤلم أكثر أن هناك نية مبيتة "مع سبق الإصرار والترصد" في سلوك "قلب الطاولة" ولا تأتي المسألة هكذا بوحي الصدفة، حيث يتم التخطيط بعد الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، أو مختلف الأطراف، ويذهب كل واحد لسبيله، ثم تأتي الكارثة، هي نوع من الخيانة العظمى التي لا تغتفر، ومن يتعمدها إما أنه إنسان مريض، ويعاني من انفصام في شخصيته، وإما أنه ماكر مخادع منسل من كل القيم الإنسانية التي تحفظ للنفس كرامتها وعزتها، وإما أنه جبان لا يستطيع مواجهة الآخر، فيستخدم عنده عنصر المفاجأة، فلا تتاح عندها فرصة للحوار، حيث ينتهى كل شيء في غمضة عين. من هنا أيضا تأتي أهمية التوثيق الفوري لأي اتفاقات يتم التوصل إليها، فـ "العقد شريعة المتعاقدين" وبخلاف ذلك يبدو أن كل الاتفاقات معرضة لحالة "قلب الطاولة" فالإنسان بطبيعته الضعيفة لا يؤمن منه؛ انعكاسا لهذا الضعف؛ ولذلك ضاعت الكثير من المصالح بين طرفين اتفقا على أمر متبادل بينهما، ولأن أحد الطرفين يحمل نفسا فيها من الخبث والجبن، سرعان ما تماهت هذه المصلحة، واستفاد منها الطرف؛ الذي عد نفسه ذكيا؛ أكثر من الآخر، وفي المقابل عاد الآخر بـ "خفي حنين" يندب حظه، ويلطم خده. ربما تكون حالة "قلب الطاولة" لا تشكل تلك الظاهرة الملموسة بين أفراد المجتمع في عموميته، فهي قليلة الحدوث، ولكن لا يمكن إنكار وجودها، وهناك أناس "يصيدون في الماء العكر" ويدركون جيدا كيفية الوسائل والطرق الموصلة إلى "قلب الطاولة" دون أن يوقعوا أنفسهم في أية مخاطرة قانونية، توصلهم إلى منصات العدالة، فهم شديدوا الذكاء في تحيين الفرص المناسبة للانقضاض على فرائسهم المستغفلة، والتي تنقصها الخبرة في الأساس الأول، وتغلفها الثقة العمياء بالآخرين من حولها. ويمكن التخمين؛ أن تراكم القضايا في المحاكم لا يخلو كثير منها من حالات "قلب الطاولة" فالأفراد ماضون فيها بصورة مستمرة، بحثا عن مكاسب محتملة، في ظل غياب الثقافة القانونية عند كثير من الناس، وفي ظل تجدد الوسائل المستخدمة لذات الغرض، خاصة اليوم في حالة استخدام الوسائل الإلكترونية في النصب على الناس؛ وبكثافة غير معتادة؛ وهذه لحالها إشكالية موضوعية في هذا الاتجاه، و "القانون لا يحمي المغفلين"في حالة التسليم المطلق لطرق ووسائل هؤلاء اللصوص. يبقى سلوك "قلب الطاولة"سلوكًا مشينًا؛ وإن عبر عن ذكاء مفرط؛ يتصادم مع الأعراف الإنسانية القائمة على المودة والتصالح بين الأفراد في تعاملاتهم المختلفة، ولأنه كذلك فيتطلب؛ في المقابل؛ أخذ الحيطة والحذر من المتصيدين في الماء العكر، وقطع الطريق أمامهم، لتجفيف منابع الضرر، إن لم يتحقق إلغاؤها تماما.