هوامش ومتون.. شهادات وفاء

17 أغسطس 2022
17 أغسطس 2022

عندما يشعر الإنسان أنه بلغ "من العمر عتيّا" يدخل في سباق مع الزمن، فيسارع إلى إنجاز ما يمكن إنجازه من مشاريع لم يتمكن من إنجازها، لذا رأى د. عبدالرضا علي، أمدّ الله في عمره، أن يسارع إلى إنصاف أساتذته الذين "رصّنوا تكوينه المعرفي، فكان بعض غرسهم المورق، وفي آخرين ممن أحدثوا نقلة في عطائهم النقدي.. كذلك هي في بعض أصدقائه ممن تميزوا بصناعة الإبداع المدهش" كما يقول في توطئة كتابه "شهادات" الصادر عن دار المتن ببغداد 2022م، وهذا نبل منه، وقد تجاوز كتابة شهادات في أشخاص مرّوا في حياته، إلى تدوين جوانب من سيرته، فكشف عن صفحات لم يعرفها غير المقرّبين منه منها عمله في المسرح، كاتبا وممثلا، في مقتبل حياته، إلى جانب أسماء ذكرها في كتابه لرموز في الحياة الثقافية العراقية كانت بدايتها مرتبطة بالوقوف على خشبة المسرح كالناقد د. محسن إطيمش، والشاعر طارق ياسين، والمترجم سامي محمد ود. يعقوب الخميسي، وفتاح عبداللطيف العاني، عندما شكّل الفنان وجيه عبدالغني فرقة مسرحية بمعهد إعداد المعلمين، فكتب مسرحية شعبية قدمتها الفرقة من على شاشة تلفزيون بغداد أواخر عام 1963 حملت عنوان (ردهة 8) وكانت من إخراج: وجيه عبدالغنّي.

معظم الشهادات التي ضمّها الكتاب، قدّمت في مناسبات، وأنشطة مختلفة جرى خلالها تكريم أو استذكار الأشخاص الذين تناولتهم، وقد أرّخ لذلك، ومن حسن حظّي كنت قد حضرت بعض الفعاليات التي قدّم فيها أكثر من شهادة، وعشت بعض الأحداث التي تحدّث عنها وعايشت أبطالها، وقد استمتعت كثيرا بشهادته حول المونولوجست عزيز علي التي أسماها "في العبقري الذي لا ثاني له" وعلاقته التي نشأتْ عندما أعطى لنجل عزيز علي (قيس) وابنته (إيفون) دروس تقوية في مادة اللغة العربية، فوفّرت هذه الدروس له فرصة لدخول بيت هذا الفنان الكبير الذي كانت منولوجاته التي تتناول مشكلات المجتمع العراقي، والعربي،

حديث الشارع العراقي في الستينيات، لقوّة تأثيرها، بمجرد إذاعتها، ولم تقتصر علاقته بنجله وابنته، بل عقد صداقة معه، وتبادل الأحاديث وشاهدا معا بعض العروض المسرحية والموسيقية التي كانت تقام بقاعة الخلد، بل أنه عرض عليه نصا مسرحيا كتبه الفنان عنوانه ( الرسام) وحين قرأها وجد فيها نقدا صريحا، فطلب منه عدم نشرها وعرضها، فأخذ برأيه.

وفي شهادته عن سها الملائكة الشقيقة الصغرى للشاعرة نازك الملائكة يتحدث عن أسرة الشاعرة الكبيرة، التي وضع في شعرها رسالته في الدكتوراة ( نازك الملائكة الناقدة)، ومن خلال علاقته بسها وبالرجوع لمذكرات الشاعرة الكبيرة تطرق إلى جوانب خفية في حياة الأسرة المبدعة في الشعر والبحث الأدبي والنقد والترجمة، كحبها للموسيقى والغناء ورب الأسرة الشاعر صادق الملائكة، وزوجته أم نزار الملائكة الشاعرة أيضا وخال نازك د. جميل الملائكة وعبدالصاحب الملائكة وهما شاعران ولهما آثار مطبوعة، كما يشير في كتابه.

ولا ننسى شهادته في صديقه الشاعر طارق ياسين كاتب كلمات أغنية د. فاضل عواد الشهيرة ( لا خبر لا جفيه لا) واهتمامه بدراسة الموسيقى والألحان، وتحدث عن ديوانه الأول الذي رفض الناشر طباعته كونه " شعر شعبي للمثقفين الذين انتهجوا طريق الحداثة ومثل هذا الشعر وإن كان جيدا فإن قراءته محصورة بفئة محددة من المثقفين ليس غير"، ويختتم شهادته برأي نقدي في شاعريته فهو حين يعالج موضوعاته " لا يتناولها على نحو سطحي مكشوف، إنما يقدّمها من خلال خياله الوثاب، وصوره المدهشة التي تتقبّلها عاطفة المتلقي، وتستسيغ حزنها الممض كما في قصيدته (قطار الألم) التي استخدم فيها أسلوب السرد القصصي"

وقد وردت في الكتاب بعض الأسرار من بينها أن السياسي العراقي نوري السعيد علق موافقته على هجرة فرقة الجالغي البغدادي إلى (إسرائيل)، بعد تهجير اليهود، بشرط يتحدد في أن تقوم الفرقة "بتعليم المرحومين هاشم الرجب وشعوبي إبراهيم العزف على آلتي الجوزة والسنطور ليتوليا بعدئذ ريادة الأداء في تينك الآلتين عزفا وتصنيعا وتعليما حفاظا عليهما من الاندثار.. فتم تنفيذ الشرط وتعلم الرجب وشعوبي العزف على الآلتين وأصبحا أستاذين لجيل تلاهما"

في الكتاب شهادات أخرى عن أكاديميين، وشعراء: د. علي جواد الطاهر، د. عناد غزوان، د. علي عباس علوان، د. يوسف عزالدين السامرائي، د.عبدالعزيز المقالح، زيد مطيع دماج، عبدالوهاب البياتي، د.طارق نجم، يحيى السماوي، د.سعيد الزبيدي، عدنان الصائغ، حسين القاصد فوزية الشندي، د.خليل إبراهيم صالح، صهيب هاشم الرجب، ربيع الشمري، د. تحية الخطيب.

مثبّتا على الغلاف الأخير اعتذارا من الذين لم ترد شهاداتهم ضمن كتاب الوفاء.