نوافذ : يكفي قراءة قصصهم
shialoom@gmail.com
تغرينا قصص الآخرين إلى حد الـ «حشرية» والحشرية؛ كما هي معروفة؛ سلوك سيئ، ويعكس مجموعة من الإسقاطات الخلقية، من قبل ما يتبناها كسلوك يتداخل به مع الآخرين من حوله، مع العلم أن هذا التداخل أو المشاركة، ليس لتقويم البناء، بقدر ما هو تشويه ما تم إنجازه، أو وسمه بشيء من صفات الضعف، أو العيب، بحيث لا يظهر للآخرين أنه يستحق الإشادة، أو على الأقل يلقى القبول.
يحدث هذا وفق الحكمة التي تنص على: «الكل حكيم.. ما دامت القصة ليست قصته». الكل يود أن يحشر نفسه في قصص الآخرين، والحكمة؛ حسب ما جاءت في النص؛ تذهب إلى حيث هذه الحشرية الممقوته، وليس الحكمة المطلوبة، فالحكيم؛ يجب أن يتمثل الحكمة فيما يعنيه، وفيما هو مطلوب منه، وليس فيما عند الآخرين، لأن هؤلاء الآخرين هم أدرى بتوظيف حكمتهم، وتجربتهم، وخبرتهم في كل ما يعنيهم.
هذه إشكالية من إشكاليات السلوكيات القائمة بين الناس، ولذلك يقال: «من كان بيته من زجاج فلا يرمي الآخرين بالحجر». لأن الآخرين عندهم ذات الأحجار وتصويبها إلى من يحشر أنفه فيما يفعلون، وفيما يقولون، وفيما يعملون، تكون من أيسر ما يمكن فعله، وبعد رمي الحجارة سوف تتكشف أشياء كثيرة، يقينا؛ لا يود أي عاقل أن يرى الناس ما تضمه جدرانه الأربعة مما تحتويه، فالستر هو غاية من الغايات التي لا يفرط بها عاقل، فهو السياج المانع لتلصص الأعين، وهو المانح للأمن والاستقرار والرضا.
«الكل حكيم...» (والكل/ البعض) منصب نفسه حشريا، ومنظرا، ومطلعا على كل أمور الخلق، وتصرفاتهم، ونواياهم، والخطورة أكبر أن يفكر هؤلاء (الكل/ البعض) في مصائر البشر الختامية، ولكن الحمد لله لن يصل إلى ذلك أحد، وإلا لأورد هؤلاء (الكل/ البعض) الجميع إلى مصائر الهلاك، والعياذ بالله، فشيء مستغرب حقا لما هو عليه هذه الفطرة البشرية المسترسلة في غيها - إذا لم تُقَوَّمْ - بترويض وسائل الأدب، أو وسائل الحكمة، وتعاد من غفلتها وغيها.
البعض يراهن على أن عودة النفس إلى شيء من التوازن السلوكي، يحتاج إلى موقف صادم، أو خبرة حياة ممتدة، مسنودة بعمر مخضب بالمواقف، والخبرات، ولكن؛ الواقع؛ لا ينبئ عن كثير من الأمل في هذا الجانب، فلا تزال النفوس بـ «شيبتها» وكبر سنها، وعجزها «شيبة يستهويه شيطان» ذاهبة إلى ما قد ذهبت إليه في سني أعمارها الصغرى، من ممارسات الشطط، والمغامرة، وتجاوز المحددات، والتعالي على شيء من القيم، وغض الطرف عن تعاليم الدين، وعدم النظر إلى ردات الفعل السلبية لذات السلوكيات الخاطئة، وكأن هذا العمر التراكمي، وخبرات الحياة لم تؤثر شيئا يستحق التقدير.
نعم؛ قصص الآخرين؛ ليست قصصنا، ولا يجب أن نكون فيها فصولا في بنيان مكونها الموضوعي، إطلاقا؛ إلا بالقدر الذي؛ إن شرفنا هؤلاء الناس بإطلالة صغيرة، لا تتجاوز الاستشارة، أما أن نقحم أنفسنا، فنعلل، ونحلل، ونبدي الأسباب، ونفكر بالنيابة عن الآخرين، فهنا تخجل الحكمة من نفسها أن تكون «ضالة المؤمن...» ويكفي لهذا الإنسان أن يكتب قصصه بنفسه، وأن تتجلى الحكمة فيما هو معني به، فالآخرون لا يحتاجون منه أن يرهق نفسه، ويشغل باله، فما معه يكفيه؛ وزيادة.
أحمد الفلاحي - كاتب صحفي
