نوافذ : هذا ما ظهر

23 سبتمبر 2022
23 سبتمبر 2022

shialoom@gmail.com

كما هو معلوم؛ بالضرورة؛ أن الأحكام تبنى على الظاهر من القول، ولا يلتفت كثيرا إلى مظان الأقوال، أو ما يطلق عليه "ما بين السطور" أو تحته خط، لأن علم ذلك عند الله سبحانه وتعالى، هذا في شأن الأحكام، والحديث المروي عن عن أم سلمه رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار" – متفق عليه؛ حسب المصدر-.

أما في شأن تأويلات الناس، وتقديراتهم، فذلك أمر متروك لظروفه، ولمختلف الثقافات المرجعية التي يحتكم عليها الناس؛ انطلاقا من عوامل كثيرة، أغلبها ظنية التقدير لا أكثر، حيث يبقى "المعنى في بطن الشاعر" هو ما يمكن الاحتكام إليه، والاطمئنان عليه، ومعنى هذا أنه لا يوجد حكم مطلق على أي فكرة تطرح "نظريا" إلا إذا عززت بالتجربة العلمية "المختبر" أما غير ذلك فسيبقى وفق هذا التقييم الذي يحتمل كل التأويلات، ويغيب عن القول الفصل؛ إلا نص القرآن الكريم.

ومقاربة موضوعية لهذه الفكرة أعلاه، يمكن النظر إلى كثير مما يحيط بنا في هذه الحياة وإسقاطه على ذات الفكرة، فالعلاقات الاجتماعية؛ هي واحدة مما يمكن أن يوزن وفق هذا التقييم، حيث أن في هذه العلاقات جانبا مظهريا، وجانبا مخفيا، فالمظهرية تبدي لك الكثير من الصور الاحتفالية التي تأنس بها: من التودد، والسرور، والانشراح، والكرم، والسخاء، حيث يمكنك أن تتخلص؛ في تلك اللحظة؛ من كل مخاوف الوسوسة، وسوء الظن، بل قد تلوم نفسك على أن هذا الطرف الذي تتعامل معه في هذه اللحظة وللمرة الأولى؛ غير الذي رسمت له صورة ضبابية قبل أن تلتقيه، أما الجنب المخفي في هذه العلاقة فأنت لا تدري عنه شيئا إطلاقا، إلا بعد أن تظهر نتائج الأفعال لهذا الخفاء؛ إن كان فيه شيئ من الكيد، والنميمة، والبهتان، وهي لن تأتيك بصورة مباشرة، وإنما عن طريق طرف ثالث؛ بصورة مقصودة أو بفعل الصدفة (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا؛ ويشهد الله على ما في قلبه؛ وهو ألد الخصام) – الآية (204) من سورة البقرة – والشاهد هنا في كلا الأمرين (القول/ السلوك) أن كلاهما تطغى عليهما المظهرية في الممارسة، وهذا هو الأمر الشائع، والمقبول، وأن كليهما معرضان للممارسة الخفية؛ وهو وإن كان شائعا؛ إلا أنه غير مقبول، لأنه يتستر بستار النفاق، وله تداعيات سلبية كثيرة، على حياة الناس في أي مجتمع، وكلاهما من الفطرة البشرية التي لا يمكن خروج ممارستهما منها، لأن هناك ممارسات يجب أن تكون مخفية عن أعين الناس كالصدقة والنصيحة، وممارسة فعل الخير، وهذه يوجب المشرع إخفائها قدر الإمكان خوف الوقوع في منزلق "العُجُبْ أو المراءاة" (يُراؤون الناس) فإخفائها يظل هو الأقرب إلى الصدق، والإخلاص.

ومع ذلك فهناك من الناس من يستمرئون الممارسة الظاهرية في القول والعمل، ويرون فيها إثبات الذات أمام الآخر، وأن التخفي لن يزيد في أرصدتهم الاجتماعية، بل قد يركنهم جانباً، وبالتالي قد يغالون في التمظهر إلى حد الفوضى؛ في بعض الأحيان؛ وقد يكتشفهم الطرف الآخر، وهم لا يدرون، وكل ذلك حاصل، فهؤلاء بشر يُمتحنُونَ عبر عاطفتهم فينزلقون، والمحظوظ من يستطيع يُحَيِّدْ نفسه من الوقوع في هذا المأزق، وأن يوازن بين المظهر والمخبر، وهم قلة.