نوافذ :نزرع قيما.. ليس صعبا

28 يوليو 2023
28 يوليو 2023

shialoom@gmail.com

تقوم جدلية الخير والشر على كفتين في مستواهما الأفقي؛ أكثر من أي بعد رأسي قد يتخيل، ومعنى هذا أن معانقة الخير متاحة، كما هو الحال في مقاربة الشر، ومعنى هذا أيضا أنه من اليسير تغليب كفة أحدهما على الآخر، وكذلك الأمر متاح لمناصرة الخير لمن أراد أو مغالبة الشر لمن أراد كذلك، فخيارات الأمرين كليهما بين يدي الإنسان، وعلى الإنسان أن يحدد أي طريق يريده، أو يسعى إليه، ولأن الشر مصارعه مؤلمة وثقيلة على النفس، وحمولته المعنوية قاسية إلى حد البكاء، وليس الندم فقط، فإن الأمر يحتاج إلى كثير من المجاهدة من قبلنا كأناس نتوق إلى الخير أكثر، وزلات الأقدام التي تحدث كثيرا يمكن أن تجابه بكثير من الصبر، وبكثير من العزم، وبكثير من الندم، وهذه تموضعات ليست يسيرة إلا لمن يسرها الله له، مع عدم الإعفاء المطلق للبشر من المحاولة تلو المحاولة، فما هو مندوب لنا أكثر هو الركون إلى «صنائع المعروف» التي «تقي مصارع السوء» كما جاء في النص.

والتساهيل؛ في هذا الأمر؛ أن الحسنة بعشر أمثالها، بخلاف السيئة التي بمثلها فقط، ومعنى هذا أن مراحل الوصول إلى الحسنات قد تكون عبر أقصر الطرق، «فإماطة الأذى عن الطريق صدقة» و «تبسمك في وجه أخيك صدقة» وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فهل هناك أسهل من هذه الصنائع لمن أراد أن يختبر ذاته، ويخفف عنه مشاق السيئات ذات التكلفة الباهظة؟.

معلوم؛ أن جدلية الخير والشر قائمة منذ بداية المسيرة الإنسانية على وجه الأرض، فكما أن «مفاتيح الخير» قائمة وغير مغلقة؛ فكذلك «مغاليق الشر» متاحة، وغير معدومة، تبقى فقط المهمة الرسولية التي كلف بها الإنسان، وعليه القيام بها، ليس فقط لإعمار الحياة، ولكن لمزيد من الرخاء الإنساني، والاطمئنان النفسي لذات هذا الإنسان، الذي تغافله نفسه في ساعات العسرة من حياته اليومية، فتطوق عنقه بقضايا بديلة، ما كان له أن ينشغل بها أكثر من إنقاذ نفسه أولا، ومن ثم النظر في قضايا الآخر، ولو كان هذا الآخر أقرب الناس إليه؛ حيث النظر أكثر إلى المآلات الختامية (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) - الآية (101)؛ المؤمنون -.

من المفارقات الجانبية التي تحدث في هذا الأمر، أننا نسعى جميعا؛ إلا الاستثناء، إلى «الستر في المعصية» حيث تأخذنا العزة بالإثم، وهذه من السقطات الملازمة للإنسان، نداري السقطات عن أن تلتصق بنا؛ خوف الوقوع في التقييمات السلبية من قبل الآخرين فقط؛ بينما يفترض أن نحرص على «الستر عن المعصية» أي أن نبتعد كثيرا عن الاقتراب منها، فضلا عن مقارفتها، ولكن لأننا بشر؛ لا نزال نعيش في ضعفنا وقلة حيلتنا، يظل في المقابل اقتراف المعاصي الأقرب من النجاة منها، وتبقى رحمة الله فوق كل اعتبار.

ومع ذلك يؤكد أهل العلم أن من فضائل اقتراف المعاصي أنها: «تورث ذلا وانكسارا» وفي ذلك خير، لأنها تعيد جدولة الإنابات إلى الله، والرجوع إليه، والتوبة منها، بينما يروا أنه في حالات الزهو في إتيان الطاعات قد: «تورث عزا واستكبارا» وهذه خطورة كبيرة، فالإنسان مهما سمت به الطاعة العملية من الصلوات والصوم، والصدقة، سيظل تقييم ذلك وفق رحمة الله به، وليس بما أتى من جهد عملي من هذه الطاعات والعبادات، فلا يغرنّ من أقام شيئا من الطاعات على أنه الأفضل منزلة عند الله وفق تقييمه المتواضع، فلربما هناك من لا قيمة مادية له عند البشر؛ هو عند الله من المقربين.