نوافذ :مشروعية النقاش..عقلانية النزاع

21 يوليو 2023
21 يوليو 2023

shialoom@gmail.com

يظل الخلاف والاختلاف سمة إنسانية بامتياز، وقد تشارك في ذلك بعض الكائنات الحية؛ وإن انطلقت هذه الكائنات غير الإنسانية في نزاعها وتقاتلها؛ من نزعة بيولوجية خاصة، لتلبية غريزة ما، إما غريزة الجوع أو مدافعة الخوف أو الانتصار للنوع، إلا أن ذلك كله محكوم لتلبية تلك الغريزة في تلك اللحظة، بخلاف الإنسان الذي إن ينطلق في مختلف هذه الجوانب، فإنه ينطلق من تلبية رغبة قد فكر وخطط لتحقيقها؛ حسب تعبير «مع سبق الإصرار والترصد» وفي كل ذلك؛ طبعا؛ يحضر النقاش كأساس للتفاهم للوصول إلى تحقيق رغبة ما، أو التخلص من تبعة ما، وهي التبعات التي تتداخل فيها مفاهيم (الحقوق والواجبات) سواء في المطالبة بالحقوق، أو التنصل من الالتزام بالواجبات، ولعل في عدم الالتزام هو الذي يؤجج المشاعر، وينفخ الأوداج حتى تكاد تنفجر، وهو ما يذهب بالأمر نحو النزاع؛ وما أدراك ما النزاع؟ حيث تتلاشى جل الممكنات الإنسانية من السمت والرزانة والتحكم في القول والفعل، فيكاد الإنسان أن يخرج من عباءته الإنسانية، ويتحول إلى مخلوق آخر(سبحان الله).

عرف عن النقاش، أو الحوار على أنه من أهم المشروعات الإنسانية المكتسبة؛ وهو مكتسب (تربوي/ ثقافي) بامتياز، وإن سعت التربية الأسرية أو الاجتماعية في شموليتها إلى تهيئة أفرادها عليه، فإن الثقافة هي التي تقوم بتنفيذه وتنظيمه، لأنه يحتاج إلى نوع من التبصّر والهدوء واتساع الرؤية والمعالجات الفنية، ولا يكفيه الخلق الرفيع «الفطرة» عند الإنسان ليكسبه مساحة آمنة لأداء حوار ناجح، ولذلك نرى عند تقديم أناس لإدارة حوار ما وخاصة في المهمات الحساسة (اجتماعية كانت أو رسمية) فإنه يختار لها من ذوي الكفاءة والخبرة والمعرفة والفطنة، ومن بلغ من السن مستوى معقولا يتيح له الصبر والتأني، واتساع البصيرة، وحينها يمكن أن يطمئن إلى أن نتائج هذا الحوار أو ذلك سيكون في نتائجه مكتسب كبير.

يأتي النزاع بوجه آخر لمفهوم النقاش، وهذه مرحلة تظل دائما متأخرة خاصة إذا كان هناك شد وجذب بين طرفين يجمع بينهما خلاف ما، وتكون حقيقة هذا الخلاف بها ما بها من التموضعات النفسية، ومن مخزون من الصور النمطية يُستجلَب في تلك اللحظة لتعزيز المواقف، فما نرسمه في ذاكرتنا عن فلان من الناس من صور سلبية مختلفة انعكاس لمواقف مختلفة؛ قد مر عليها زمن طويل، تظل صورته السلبية مخزّنة في هذه الذاكرة لا تتغير، مهما عمل هذا الفرد جاهدا لتغيير صورته النمطية هذه، وذلك لأن الانتقال إلى رسم صورة جديدة مغايرة لما تختزنه الذاكرة ليس يسيرا، ويحتاج إلى فترة زمنية ليست قصيرة، وهذه إشكالية موضوعية في كل العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس، وبالتالي فحالة النزاع القائمة في تلك اللحظة الحرجة لا تذهب إلا للانتصار على الطرف الآخر بأي ثمن.

يشار على الفرد في حالات النزاع الحاد إن كان واقفا، فعليه أن يجلس، وإن كان جالسا عليه أن يضطجع، كما يُنصح أن يتوضأ وضوء الصلاة، فلعل لمثل هذه الممارسات أن تحد من قوة الانفعالات، وتوجِد في النفس هدوءًا مستجلبا في لحظته تلك، حتى يصل الفرد إلى مستوى معين من التحكم في مستويات انفعالاته المتأججة، ويعيد السيطرة على نفسه من جديد.