نوافذ :ماذا عن برنامج رحلتنا؟

30 يوليو 2021
30 يوليو 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يندر أن لا يضع كل منا برنامج رحلته إلى أي مكان يود زيارته، وهذا البرنامج يتضمن الكثير من الالتزامات المادية والمعنوية على حد سواء، وقد نبذل الكثير من الجهد في إعداد هذا البرنامج، ليس فقط لأن نصل إلى وجهتنا؛ وإنما لأن تكون هذه الرحلة ناجحة، بلا معوقات، وبمكاسب كثيرة، تعفينا عن الكثير من الخسارات التي رافقت استعدادنا لها، ولكي تكون هذه الرحلة ذكرى سارة، ومبهجة، وتظل في الذاكرة كأحد النجاحات المهمة في حياتنا، لأن حياتنا عبارة عن سيرة ذاتية، أو قصة تظل مشوقة بفصولها المختلفة، ومعنى هذا أن يكون يومه فيها يبدأ بمشرق الشمس، وينتهي بمغربها؛ ينظر إليها على أنها جزء من خسارة العمر، فحالة المهادنة مع الظروف الفارضة نفسها علينا، ليس خيارا محببا على طول خط سير الرحلة، وإنما يستدعي الأمر المواجهة والتضاد، حتى يحسب لنا شيء من الإنجاز في مساحة العمر المتاحة، ولنكون على حقيقتنا كبشر مؤثرين في حياتنا، ولو على المستوى الخاص جدا.

كثيرون منا من يغتالهم الزمن، فلا يكون لهم قيد أنملة من تأثير ملموس في حياتهم، وإن استمرت عشرات السنين، حيث يتساوى عندهم خط سير الرحلة بلا مكاسب، وبلا خسارات، حالة من المعادلة بين طرفيها الإيجابي والسلبي، تعوزهم المواجهة، مهما كانت مستويات الشدة والرخاء فيها، وتخذلهم الحكمة في البحث عن طرق تحتاج إلى كثير من الجهد، وكثير من المشقة، ويكتفون بالقليل الذي من شأنه أن يحقق لهم الحد الأدنى من الحاجيات وإشباع الرغبات، ولذلك فقصة حياتهم يسيرة متواضعة، ورحتلهم في الحياة بلا تكلف، هم يعيشون على الكفاف، ويرضون بالقليل، فهم إلى الزهد أقرب منهم إلى الطمع والطموح، لا يحتاجون كثيرا إلى صنع مساحات للعطاء، ولكن في منظور آخر لدى آخرين أن بناء الحياة لا يكفيها هذا المستوى من الرضا بالقيل، ومكاسبها تحتاج إلى كثير من الجهد، فبناءاتها متراكمة، وصورها متجددة، واحتياجاتها متنامية، وكلما استطاعت البشرية أن تنجز كما مقدرا؛ وجدت البشرية نفسها أمام تحديات أخرى تحتاج إلى كثير من الجهد المضاعف، وهذا الجهد ليس محصورا على بشر دون آخرين، أو على أزمان دون أخرى، أو على مكون جغرافي دون آخر، فالبشرية بحملوتها البشرية، وبمكوناتها من القوة المادية والمعرفية مطالبة بأن تكون ضمن فريق العمل المنجز لمكاسب الحياة، لأن العائد؛ حتما؛ سيحصل عليه الجميع، ولو بنسب متفاوتة.

يبدو؛ وفق هذا المنظور؛ أن تأسيس قصة حياة أو سيرة ذاتية (برنامج رحلتنا) ليس بالأمر اليسير، أو الهين، ولا هو ضمن فريق عمل يتكاتف عليه لتكتمل محدداته ومتطلباته، فهو إلى الخصوصية أقرب، وإلى الفردية أصوب، فالمنجز العام، محسوب للجميع المساهمين فيه وغير المساهمين، ولكن عندما نتحدث عن قصة حياة، أو سيرة ذاتية، فتلك خصوصية محضة، ولن يستطيع الآخرون من حولنا دفعنا إلى كتابة فصولها، إن لم يكن عندنا الاستعداد الفطري، والنفسي، ومجموعة من الخبرات المكتسبة، وإن كنت أميل إلى المكون الفطري أكثر من أي عامل آخر، ولذلك فبرنامج رحلتنا يكتنفه الكثير من القصور، إن لم تتحقق فيه مجموعة من المعززات لإنجاحه.