نوافذ : ما في الصدور
shialoom@gmail.com
يقينا، ليس من مهماتنا كبشر أن نبحث عما تخفيه الصدور، أو القلوب، فذلك أمر متروك كله لله عز وجل خالق البشر، ومصرف أمورهم، وأحوالهم، ولأن الأمر كذلك، فهذا البحث مضني ومتعب إلى حد الانهيار، فانهيار الود، والثقة من أصعب المواقف التي ليس يسيرا رتقها، وجبرها "إن القلوب إذا تنافر ودها، مثل الزجاج كسرها لا يجبر" ولذلك علينا أن نقف عند خط السلوك الظاهر، فإن أحسن صاحبه، باركنا له هذا الإحسان، وإن أساء في ظاهره، علينا الانسحاب من دونه، رفضا لفعله، واتقاء لشره، دون أن نصل إلى خط التماس بيننا وبينه، لأن ذات التصرف في حالتيه ينقلنا إلى المعنى الجليل الذي يذهب به رب العزة والجلال في قوله: (وحُصِّلَ ما في الصدور) والتحصيل هنا يجمع الخير والشر على حد سواء، وكلا الأمرين يبديهما صاحبهما في مجمل السلوكيات التي يقوم بها، والتي يتعاطاها مع الآخرين من حوله، ولذلك فهناك من يَغْلُبْ عليه سلوك الخير، فيوصف بأنه طيب، وتلتف حوله قلوب كثير من الناس، وهناك من يغلب عليه سلوك الشر، فيوصف بالقبح، وتنفر منه قلوب الناس، وألا يستطيع الإنسان أن يراكم من سلوك الخير، فينجو؟ أو يتعمد سلوك الشر فيباعد بينه وبين الآخرين؟ بلى، كلا الأمرين متاحين، ولذلك يؤكد المولى عز وجل: (وهديناه النجدين) وهنا يصل الإنسان إلى مرحلة الاختيار، وقد ينقلب الحال لدى الإنسان فيتبادل السلوكين في آن وأحد، لأن الإنسان بطبيعته من الأغيار، أي حالته متغيرة، لا يستقيم على حال واحد، وهذا مما يدل على قدرة الإنسان في التراجع عن سلوك الشر، إن هو أراد، وليس أمر في حالة الإلزام المطلق أن يبقى طوال سني حياته معانقا لسلوك الشر.
مما يقال أيضا: "لو اطلع الناسُ على ما في قلوب بعضهم البعض ما تصافحوا إلا بالسيوف" وهذا الأمر فيه رحمة لكلا الطرفين العازم على الشر، والمخفي عنه هذا العزم، ففي ذلك مساحة متسعة لبقاء الود، ولو من طرف واحد، لأن حتى الذي يغلي قلبه من الشر والحقد على الآخر، هو لا يدري إن كان هذا الآخر يكن له نفس الشعور، وإن بادله الود، وفي ذلك رحمة للطرفين، ولذلك يأتي الدعاء دائما: "اللهم صرِّف قلوبَنا لطاعتك" فسبحان الله الذي أودع هذه الأسرار في نفوس عباده، ليمتحنهم في مواطن الضعف والقوة على حد سواء، والمحظوظ من نجَّى نفْسَه من مهالك الصدور.
"تصافحت القلوب اليوم" غالبا، ما تردد هذه العبارة في المناسبات السعيدة، ولعل أقواها صدقا في المناسبات الحزينة، حيث تتنازل القلوب أو الصدور من عليائها، وتختزل المسافات والحواجز النفسية فتتساوى مع صاحب المصيبة، بل وتتلاحم معه، في صورة من المواقف الإنسانية النادرة، ولعلني أجزم أن مواقف الحزن هي اللحظة الحاسمة في من يحمل حقده على الآخر، بأن يلغيه في تلك اللحظات الحرجة من عمر العلاقة القائمة بينهما، ومن لم يستطع فعليه أن يراجع نفسه "الأَمَّارةُ بالسوء" حيث لم تستطع المصيبة أن تهز أو تربك جبروتها، ويبقى (ما في الصدور) مساحة تحتمل بوادر الخير، ومعاقل الشر (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
