نوافذ :ما تكرر .. تقرر

22 سبتمبر 2023
22 سبتمبر 2023

[email protected]

يتداول الناس فيما بينهم؛ وفي مواقف كثيرة؛ جملة: «التكرار يعلم الشطار» وفي الجملة ما فيها من التهكم، والسخرية، فالمعنى يتخذ مسارا آخر، ويُستخدم الشطار للتورية من إسقاط المعنى الآخر؛ غير المحبب، وذلك للتخفيف من وطأة المعنى الحقيقي، وأغلب الناس يدركون ذلك، ولذلك يتجاوزون المعنى الحقيقي، ولا يقفون عنده كثيرا؛ حتى لا يتخذ الحديث مسارات أخرى قد تكون ردة فعلها صعبة، وقد تحدث بعض المناوشات عند من لا يتحمل وطأة المعنى الحقيقي، أو يجد نفسه محط سخرية في وسط يضم عددا من الناس، يتفقون ضمنيا على أن هذا الفرد أو ذاك هو فعلا يحتاج إلى كثير من التكرار حتى يستوعب ما يدور من حديث، هذه إشكالية اجتماعية معروفة، ومن كثرة معرفتها «تكرارها» تنازل المعنى من «مشكلة» يمكن أن تثير كثيرا من الصخب، إلى موقف عابر، يتبادل الناس بعده القهقهات، ويمضي كل في حال سبيله، وكأن شيئا لم يكن.

وعلى الرغم من بساطة معنى (ما تكرر.. تقرر) إلا أن لدى آخرين مقاربات موضوعية؛ على كثير من الأهمية، ومن ذلك ما تقوم به بعض المؤسسات من تسريبات بطريقة غير مباشرة عن رفع الدعم عن خدمة من الخدمات التي تقدمها، ويمر على ذلك مدّة طويلة، تعاد التسريبات نفسها عن ذلك؛ حيث يترك للمتلقي أن يخمّن نسبة الرفع ما بين (25% إلى 50%) على سبيل المثال؛ فالمقاربة تذهب هنا إلى ترسخ القناعة عند المتلقي بأن رفع الدعم قائم لا محالة، وأن المسألة هي مسألة وقت، وكما يحدث شيء من هذا الاتجاه يحدث الشيء ذاته عندما يتداول شيء يخص المساس بالقيم الاجتماعية التي يعض عليها أبناء المجتمع بالنواجذ، وفحوى المساس هنا يبدأ بالعبث بها فيولد ردة فعل غاضبة، ولكن صاحب الرسالة يعاود من جديد على النهج ذاته، ومع التكرار تبدأ ثورة الغضب الجامحة في التراجع شيئا فشيئا حتى تؤول إلى أقل مستوياتها، فتتحول المسألة إلى ممارسة عادية، ومن ذلك ما يحدث اليوم في شأن الترويج للمثلية على نطاق واسع، قد تتبناه في المراحل الأولى من تكريس القناعات؛ بعض الدول، وقد يلحق ذلك بسن قوانين، حتى تعود المسألة شأنا عاديا، لا يثير الكثير من الصخب.

هذه الأمثلة أعلاه، ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي على سبيل التدليل، على أنه ما يكون في لحظة النشأة معاب، ويتصادم مع قيم المجتمع، وأهمها قيم الدين الحنيف، يصبح مع محاولات الممارسات والتكرار شأنا خاصا للفرد حرية تبنيه من عدمه، قد يرى البعض أن ذلك يكون موجها ومقصودا، وقد يقيمه البعض على أن الحياة الاجتماعية منذ نشأتها الأولى تقوم على مثل هذه الممارسات والسلوكيات، وهو ما يدخل ضمن مفهوم «صراع الأجيال» وليس شرطا أن يكون كل شيء مسيسا، وموجها، ومقصودا، وإنما نسق الحياة يوجد هذا النوع من الممارسات التي يتصادم من خلالها الأفراد عبر قناعات متباينة، فما يؤمن به فلان من الناس، لا يؤمن به آخر، ومسألة استسهال تقويض القيم الإنسانية والاجتماعية، مسألة قائمة على امتداد الحياة الاجتماعية، وكلنا عايش ولا يزال مثل هذه التناقضات التي تحدث بين أحضان المجتمع، ومنذ أعمارنا الصغيرة؛ ولا تزال الحالة تراوح ذاتها.

ولأن مسألة التنازل عن أي شيء ذي قيمة؛ ليس يسيرا، فسوف يظل الصراع قائما بين معارض (للتنازل عن الأصل) ومعارض (للبقاء على حالته الأصل) والأخير يسعى إلى شيء من التغيير.