نوافذ : ما بين لذة وألم

23 ديسمبر 2022
23 ديسمبر 2022

shialoom@gmail.com

تنطلق ممارسات الإنسان لأي سلوك كان؛ من المتناقضي (اللذة والألم) – وبقدر ما نسعى إلى اللذة في تحقيق النتائج، نستعظم الألم في حالة الإخفاق – ولو أن القاعدة الفيزيائية تؤكد على أن المتناقضين يكونا أقرب إلى التقارب والتلاحم من المتوافقين على العكس من ذلك تماما، حسب قاعدة: "الأقطاب المتشابهة تتنافر، والأقطاب المختلفة تتجاذب"وتكمن هذه المعادلة في: أن أي عمل قبل أن يشرع فيه أحدنا للمضي فيه أول ما يتبادر إلى الذهن الخوف في الوقوع في مأزق الإخفاق، سواء أكان إخفاقا ملموسا (خسائر مادية) أو إخفاقا معنويا (هزيمة نفسية)، ولعله؛ مع نفسه يناقش وقع الألم أكثر من رحابة اللذة، حتى ولو كانت صورة النتيجة تكون قاب قوسين أو أدنى من تحققها، فالفطرة الإنسانية ملتحمة بالشعور بالخطر، أكثر نسبيا؛ عن الشعور بالإطمئنان، ولذلك نعيش حالة من الإرتباك عند الإقدام على أية خطوة نخطوها للقيام بعمل ما.

والسؤال هنا؛ لماذا تتضخم صورة الألم على المخيلة أكثر من عوائد اللذة؟ وهي ذات الصورة التي تعكس حالتي: اليأس والأمل، فذات الفعل يمكن أن يصطدمك بشعور اليأس أكثر من الشعور بالأمل، وهذا الأمر ينسحب على كثير من ممارساتنا في الحياة، فعلاقاتنا بالأخر لن تنجو من حالتي الشك واليقين، فبقدر ما ترى في علاقة ما بساطا أحمديا يلبسك نوعا من الارتياح، بقدر ما تذهب بك الأفكار على أن هذه العلاقة قد تكون غير بريئة، وتحتاج منك إلى الرجوع خلفا، لكي تكون عندك فرصة لما يسمى بـ "خط رجعة" حتى لا تغرق في وحل الألم، وأنت تستشرف أفق اللذة.

هذا الإلتحام الفطري بحالتي التناقض؛ كثيرا؛ ما تدفعنا إلى شيء من التخطيط لأي شيء نقدم على ممارسته، وذلك حتى نُعَظِّمْ من قيمة اللذة على حساب الألم، وحتى نُقَزِّمْ من مستوى الألم الذي نتوقعه أن يكون، وفي كل هذه التموضعات تأتي الممارسات وشحنات العواطف المتضاربة في أعماقنا، هكذا تلقائية، دون أن يكون هناك موجه مادي ما؛ يقول لنا أفعل كذا؛ أو لا تفعل كذا، ولعل لخبرة الحياة التي نعيشها ونمر من خلالها على تجارب كثيرة، هي التي تمنحنا هذا الشعور الفطري لأن نستحضر حالتي التناقض هذه في آن واحد، وقد يكون لهذه الخبرات دور في تهدئة هذا الشعور من التفاعل المبالغ فيه، ولذلك من المستحيل أو ما يشبهه؛ أن يقدم أحدنا على فعل ما دون أن يكون اللذة والألم حاضران كشعور محفز بالنسبة للأولى، ومربك بالنسبة للثانية، ولا يوجد؛ كما أتصور؛ أن هناك من يكون أحدهما هو الحاضر فقط دون الآخر، لأن في اللذة استسهال للمواقف، وقد ينظر إليه على أن من يتبعه يكون متهورا؛ لا يحسب للعواقب حساباتها الدقيقة، وفي المقابل، فإن للألم نكوص ورجوع للخلف، وهذا من شأنه أن يعطل حركة الحياة، فالحياة قائمة في ديناميكيتها اليومية على عنصري (الخير والشر) وكما يقال: "الخير في بطن الشر" والشر هنا ليس بمعناه المجرد، ولكنه "حمولة" من الجهد، والتعب، والمخاطر، تتخللها تجربة الخطأ والصواب في آن واحد.

ومعنى هذا أن اللذة والألم يسيران في خطين متوازيين، لا يتقاطعان إطلاقا، قد يتقدم أحدهما على الآخر؛ في لحظة زمنية ما، فيكون عنوانا لذات الحدث، ولكن لا يمكن أن يَتَسَيَّدَ أحدهما على الآخر؛ إطلاقا؛ وهذا من مشيئة الله وقدره في عباده، لأن الطغيان يتوقف على تًسَيُّدْ أحدهما على الآخر، وهذا لن يكون في ميزان العدالة السماوية من شيء.