نوافذ : .. ما أوتي قارون

27 مايو 2022
27 مايو 2022

[email protected]

يظل قارون رمزية مشروعة لاتخاذه مثالا لما هو مادي ملموس، فاحش الغنى، ولما هو معنوي متكبر متغطرس، حيث تتعدد وتتماثل الصور لكلا الحالتين، وحيث يخضع كل ذلك للزمان والمكان، وأحوال الناس، وتباين ظروفهم المادية والمعنوية، وإن تقادمت الأزمنة والأمكنة وتحدَّثت سيظل قانون الحياة وفق إرادة الله وقدره، فهناك غنى يقابله فقر وحاجة، وهناك تجبّرٌ وتغطرسٌ يقابله ضعف واستسلام، وهذا الأمر ينطبق على الجماعة والأفراد، وإن تباينت المستويات وتأثيرات الأفعال، والخوف في ذلك أن يكون استعبادا وظلم طرفٍ لآخر، فالتوافق الإنساني هو أساس الأمان الاجتماعي.

ولأن الأمر وفق هذه الصورة، فهل يستدعي ذلك طرح أسئلة عن الأسباب، والمآلات الناتجة عن ممارسات السلوكيات في كلا الحالتين؟ أتصور لا، إلا بالقدر الذي يقترب من مصالح الناس، أو الخوف على سلامتهم وأمنهم، وأعني بالأمن هنا: الأمن الاجتماعي وهو الأمن الموكول تحقيقه إلى عامة الناس وخاصتهم، قبل استفحال الأمر ووصوله إلى مستويات تدخّل المؤسسة، فيفترض أن تكون هناك مظلة اجتماعية يعي أهميتها كل أبناء المجتمع، بلا استثناء، والاستثناء الوحيد المقبول هنا عند من لم يصل سن الرشد بعد، ومع ذلك ومن خلال المعايشة لا تزال اللحمة الاجتماعية على قدر كبير من المسؤولية الاجتماعية، وهذا القدر هو الذي يخفف من تأثيرات (.. ما أوتي قارون)، حيث التكاتف والتعاون، والتناصر والتوافق على الكثير من الملفات الاجتماعية، وإن حدثت خروقات في هذا الجانب، وهو أمر متوقع بالضرورة، حيث لا عمل -يقوم به البشر- يكون مكتملا بالمطلق، وهو أمر مسلم به إلى حد كبير.

عرف عن الإنسان أنه من الأغيار؛ أي التغيُّرْ؛ المفضي إلى عدم الاستقرار على حالة واحدة، وهذا من الفطرة، كما عرف عن المال أنه من الأسباب المهمة في تحول الفرد من حال إلى حال، فإن وافقه غنى، فغالبا ما يبطش به ويخرجه من دائرته المستقرة التي كان عليها، وقد يتنكر للقريب والبعيد، وقد تحل عليه رحمة الله، فيشكر، ولا يشطح كثيرا عمّا كان عليه الحال سابقا، وإن وافقه فقر بعد غنى، فقد يسرف على نفسه، ويتردى بها إلى أسفل السافلين أيضا، وقد تحل عليه رحمة الله فيصبر، ويحتسب ذلك على الله عز وجل، فالله هو البصير بعباده، والمشكلة هنا تكون في الافتتان بالحالة الأولى من قبل البعض، والانسياق خلف السلوكيات المرفوضة من قبل من شطحت به النعمة، فنسي قدره (قال إنما أوتيته على علم عندي) كما جاء على لسان قارون، وهذه إشكالية إدارية تحدث كثيرا في بيئات العمل، وهناك شكوى مستمرة من التحول السريع الذي يكون عليه الموظف الذي كان «زميلا» في مستوى إداري معين، إلى أن أصبح مسؤولا في مستوى إداري معين، فقد يكون -وهذا أقرب إلى الواقع- أن مجموعة فريق العمل لهم الفضل في النجاح والتميز في مهمة ما، وليس الأمر محسوبا فقط على رئيس الفريق، وذكائه وحذاقة إدارته.

(.. ما أوتي قارون) حالة ليست استثنائية في ممارسات البشر، والمسألة لن تكون موقوفة فقط على المال «السيولة المادية» فالجاه الاجتماعي، والمستويات الإدارية العليا، والتفويض المباشر؛ ولو كان من غير جاه، أو مستوى إداري رفيع، كلها ذاهبة من منافذ ظلم الآخر، وانتهاك حرماته، إلا أن يحكمها رجل رشيد.