نوافذ :لن تنتهي الإساءة

02 فبراير 2024
02 فبراير 2024

[email protected]

كما يبدو من المعنى الضمني الذي يحمله العنوان؛ أن هناك مقاربة موضوعية بين أربعة أطراف رئيسية في هذا المعنى: الإساءة، الحياة، الموت، الإنسان، فهناك حالة من الاشتباك والالتحام ما بين هذه الأطراف، ولا بد أن تكون مجتمعة أيضا، فالإساءة لا يقوم بها إلا الإنسان الحي، وعندما يغيبه الموت ينتهي مشروع الإساءة، والمعضلة هنا أكثر أن الإساءة حاصلة حاصلة، حيث ليس من اليسير تجاوزها، حتى وإن حاول الفرد منا أن يتجاوزها، نعم؛ قد يخفف من وطأة تأثيرها على الطرف الآخر، ولكن أن يقضي عليها نهائيا فهذا من المستحيل، وإلا ما كان إنسان تتجاذبه مجموعة من المشاعر، والعواطف، والضعف، والقوة، والنفس اللوامة، وبالتالي فالنزوع عن الإساءة - سواء الإساءة على الآخر، أو الإساءة على النفس – يبقى من أحلام اليقظة، وسيظل الإنسان يسيء إلى نفسه، وإلى الآخرين من حوله إلى أن يغيبه الموت.

يأتي الاشتباك في هذه المسألة من باب وجود صراع أزلي بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والآخر، فالآخر بالنسبة للفرد قضية محورية فلا يتحرك أحدنا إلا من خلال النظر إلى الآخر، ماذا يفعل؟ ماذا يقول؟ أين يذهب؟ ماذا يأكل؟ لماذا لم يذهب؟ كيف له ذلك؟ وقس على ذلك الكثير من الأسئلة الاستنكارية التي تتقصى مختلف جوانب تحركات هذا الآخر، هل ثمة ضرورة إلى ذلك؟ الإجابة تكون نسبية، فالتطفل حالة فطرية عند كل فرد، ولا يستطيع أن يتحرر منها، لأنها من الفطرة، ولأن التطفل قائم؛ فمعنى ذلك أن الإساءة؛ هي الآخر قائمة، لأن التطفل على الآخر، هي وظيفة أخرى نقوم بها، وهي حالة استثنائية غير مدرجة ضمن الحالات الرئيسية التي يتوجب القيام بها، فماذا يهم أن أعرف عن فلان من الناس، ماذا يأكل، وإلى أين يذهب، ولماذا فعل كذا، ولم يفعل العكس؟ ولذلك كان التشديد؛ وفق النص القرآني؛ على خطورة التجسس، فمن المهم أن تسأل فلانا عن حالته الصحية؛ على سبيل المثال؛ ولكن ما الضرورة لأن تسأله عن نوع المرض الذي يعانيه، فاختزال الفهم العام وإسقاطه على الفهم الخاص للحالة الفردية هو نوع من الإساءة، لأن أحدنا لا يضمن أن يتحدث عن مرض فلان، وعن حالته المادية، وعن مواقف الخطأ التي وقع فيها، وقس على ذلك أمثلة أخرى، وهذا كله يدرج ضمن حاضنة الإساءة.

فهنا نحن؛ لا نقدم حلولا للآخر، أو مساعدات، وإنما نشتبك معه لتقصي حالات ضعفه، وفي حالات خاصة قد نستخدم هذا الاشتباك للإساءة إليه أكثر وأكثر، فيما يسمى بـ «لي الذراع» حيث نتباهى بأننا نمسك على فلان من الناس موقفا يجبره على كسر إرادته وحريته، مقابل أن لا نسيء إليه، وبالتالي؛ ففي خضم هذا النزاع الداخلي الذي نمارسه على الآخرين من حولنا، نحن نلتحم معهم شعوريا، حتى ليكاد الأمر يصل إلى مشاركتهم الكره والحزن، نفكر عنهم، ونغضب عليهم، وليس لهم، وقد ننكر عليهم سعادتهم، فأي إفراط في الإساءة أكثر من ذلك؟ هناك وجه مشرق في مختلف العلاقات مع الآخر، وهذا أمر غير منكور، ولكن لأن وجه الإساءة ثقيل ومؤلم على النفس، فإنه يتبادر على وجه العلاقات على أنه الأكثر اكتساحا من ضده، وكما قال أبو الطيب المتنبي: «والضد يظهر حسنه الضد؛ وبضدها تتميز الأشياء» فالحسن دائما مشوق، ومرغوب فيه، ولأنه بهذا الموضع المرحب به، فإنه سريعا ما يتلاشى؛ حيث تظل النفس تنزع إلى تكراره، والشوق إليه.