نوافذ :غمضة عين

27 يناير 2023
27 يناير 2023

[email protected]

يبدو أن اللحظة الزمنية أكثر اتساعا مما نعتقد، وأكثر سرعة مما نتوقع، وأكثر إنجازا مما نطمح، وأكثر رؤية مما نتخيل، وتجتمع كل هذه الصور التي نختلف على تقييمها أو نتفق لتختزلها "غمضة العين" التي لا ندير لها بالا بالقدر الذي يجب أن يكون، ولذلك فهناك حالة من التفريط في تقييم المنجز للحظة التي ترف فيها العين، أو تسكن، ترف فيها العين حيث تبدأ الحياة مع أول صرخة لهذا الإنسان، وتسكن حيث النهاية الحتمية "الموت" وبقدر، مع أن السرور مضاعف عند لحظة الميلاد، إلا أن لحظة الموت يتضاءل ذلك الكم المتراكم من السرور "وحزن في ساعة الموت؛ آلاف سرور في ساعة الميلاد" كما هي رائعة أبو العلاء المعري.

يحل مذهب "من الثبات إلى الحركة" كأحد الأولويات المهمة في حياة الإنسان الذي يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في حياته، حيث يبدو الأمر جليا، والصورة أكثر وضوحا من أن هناك جهدا، وأن هناك اشتغالا، وأن هناك تفكيرا، وأن هناك إبداعا، وأن هناك خروجا عن المألوف، وهو مذهب لا يؤمن بالسكون، بقدر ما يرى في الحركة الحياة كلها، مع أن الحياة قائمة على الحركة – حيث مطلع الشمس من المشرق فتتوالى حركتها إلى أن تتلاشى في مغربها، لتبدأ حياة أخرى عند قوم آخرين، فلا يلبث الثبات يستنشق سكونه في خطوته الأولى، إلا وتداهمة الحركة، و "ما بين غمضة عين والتفاتتها: يغير الله من حال إلى حال".

والمهم من هذا كله، هل نستشعر حقا حركة ما بعد رفة العين؟ وتتجلى العبرة أكثر في حادثة نبي الله سليمان عندما جال في ذهنه إحضار عرش الملكة بلقيس قبل أن تصل هي وقومها إليه، فانبرى أحد علماء مجلسه قائلا: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) – وفق النص القرآني الكريم - وقد كان، والقصة معروفة، وهذا ليس معناه أننا كبشر متاح لنا أن نصل إلى هذه القدرة الجبارة لننجز ما نود إنجازه في لحظة "غمضة عين" ولكننا يمكننا أن نستحضر ثيمة "ارتداد الطرف" أو "غمضة عين" أو "المتحول من الثابت" ليكون من ذلك كله اشتغال على امتداد الأفق، فالحياة قائمة على هذه الحركة، والكون بأكمله قائم على حركة لا تتوقف عند مستوى معين، إلا بالقدر الذي تبدأ فيه حركة أخرى وكما يردد دائما: "مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة".

نشتكي اليوم، ودائما من الزمن المُفَرَّطْ فيه في "غمضة عين" حيث يذهب العمر مهدر بتواضع ما يقابله، دون أن تكون هناك فرصة لإعادة جزء منه، لتعويض ما فات، حيث تمر الساعات؛ والأيام؛ والشهور؛ والسنوات، ولا نستفيق إلا عندما تصدمنا حقيقة ما ضيعنا من أعمارنا، فما تم إنجازه لا يساوي هذا الزمن المستقطع من العمر (40 عاما؛ 60 عاما؛ 80 عاما؛ 100 عام) تمر هذه السنون عبر مسافة قصيرة (غمضة عين) كما نعتقد، دون أن توازي ما نطمح إليه، وما نتوقعه من هذه السنين المتراكمة، فما الذي ضيع العلاقة بيننا وبين أعمارنا الهاربة، مع أننا نقبض بيد من حديد على تاريخ ميلادنا – نعرفه معرفة دقيقة؛ ونحتفل به كل عام -؟