نوافذ : غالبا.. ما يكون

20 مايو 2022
20 مايو 2022

shialoom@gmail.com

كثير من الممارسات، بل أغلبها؛ تحل على الذاكرة على أنها تحصيل حاصل، وعندما يسقطها السامع على الذاكرة، أو على العقل الباطن؛ كثير ما يسرع إلى تجاوز تأثيرها على سلوكه، أو ردة فعله المتوقعة، حيث ينزله منزلة "الاحتمال" فيقول متواريا عن ذلك: نعم؛ احتمال، أو أغلب الظن، وقد يعكس هذا التصرف الهروب من المسؤولية، أو عدم المبالاة، أو لأن الأمر لا يعنيه كثيرا بصورة مباشرة، بخلاف لما يكون الأمر جادا، أو فيه شيء من الأهمية، أو شيء مما يعنيه بصورة خاصة.

فوق أنَّ صورة المعنى تذهب أيضا إلى استحضار الصور النمطية من خلال هذا المعنى الماثل الذي تحمله عبارة العنوان "غالبا.. ما يكون" فردات فعل الجماهير الرياضية؛ على سبيل المثال؛ عند هزيمة فريقها هو الانفعال المبالغ فيه، وهو ما ينتج عن كثير من التصرفات غير الواعية، سواء على أفراد الفريق الآخر "المنتصر" أو طاقم التحكيم، وقد تمتد هذه التصرفات غير الواعية إلى تحطيم مرافق الملاعب، أو كل ما يكون حاضرا أمام هيجان الجمهور في تلك اللحظة؛ ولكن يبقى هنا احتمال أقل من (50%) لحدوث الشغب، فكثير من اللقاءات تنتهي ببرد وسلام.

ويطلق معنى التغليب على كثير من أوجه الحياة، فالصورة الذهنية عن المدينة؛ مثلا؛ أنها معقدة التركيب بهياكل أبنيتها، واتساع طرقها، وزحمة المرور فيها، واكتظاظ أسواقها وحدائقها، وكثير من انشغالات أبنائها، وكثير من تفكك علاقاتها، وذات المثال يذهب إلى القرية، ولكن على النقيض من المدينة، حيث بساطتها، وتواضعها، وفطرة أبنائها الأولى، وطبيعتها البكر، وأشياء أخرى تحتكرها القرية، فالغلبة على المدينة تلك الصورة الاحتفالية الصارخة، والباذخة في كثير من عناوينها العريضة؛ ولذلك هي فاتنة لإنسان القرية في لحظة التماس مع كل مباهجها؛ ولكن ما يلبث أن يتملكه الخوف من المجازفة للبقاء أكثر في ميادينها، والغلبة على القرية ذلك الانحسار إلى حدوده الدنيا، ولذلك هي فاتنة لإنسان المدينة في لحظات التماس معها في البدايات الأولى للزيارة، وما تلبث أن تكون مملة بعد طول الزيارة، وفي كلا الحالتين هناك مخارج والتفاتات يمكن أن تقلل من الصورة النمطية المرسومة على كليهما.

الخوف هنا أكثر؛ عندما تتملكنا الغلبة على تأصيل الصور النمطية عن الأشخاص، فالأماكن قادرة على الدفاع عن نفسها؛ أما الأشخاص فيحتاجون إلى من يدافع عنهم، وهذا الدفاع يحتاج إلى معايشة قريبة جدا، فمن أساء في موقف ما، ولظروف خاصة ما، ليس شرطا أن يكون سيئا على طول خط مسيرة حياته، ومن عبر خط البخل، أو الانفعال والتهجم، أو الوقوع في معصية مخلة بأدب السلوك والسمت، أو اللسان البذيء كأن تفوه بكلمة جارحة على من حوله، ليس لهؤلاء كلهم حكم مطلق لا عودة عنه، فـ "كل أبناء آدم خطّاؤون؛ وخير الخطّائين التوابون"- كما جاء في النص – والمهم هنا: هل يمكن أن نخرج وعينا الجمعي من غلبة الظن، والاحتمال المتأرجح؛ إلى اليقين الآمن الذي يعيد إلى أنفسنا توازنها فلا ننجر إلى الأحكام التي نعمد فيها على أسقاط السلوكيات المشينة على الآخرين من حولنا؟ هي معادلة ليست يسيرة في ظل الانتصار الدائم للذات، ومن ينجح فقد سبق بالفضل.