نوافذ : حتى "بو تو" فيهم الصالح

26 أغسطس 2022
26 أغسطس 2022

shialoom@gmail.com

اعتاد الناس؛ كثقافة؛ أن يلقوا كامل اللوم على حاضرهم، ويستحضروا كل المآسي البشرية على أنها خصوصية بعصرها الحاضر، وتناقضاتها الغريبة والمختلفة، ويسقطوها على زمنهم، وغالبا من تكون المرجعية الاجتماعية التي ولَّت "نقية؛ طاهرة؛ صافية" لا يشوبها أي كدر، ويقولون ذلك عن قناعة ويقين، مع أن الناس لم يعيشوا تفاصيل الأزمان الماضية، ولم يشاهدوا أحداث الأزمان الماضية، ولم يعاشروا أقوام الأزمان الماضية، ولم يصطدموا بتناقضات الأفعال والسلوكيات التي قام بها الناس في الأزمان الماضية، ومن يجد عنده الفرصة لقراءة ذلك التاريخ يجد نفس المآسي، ونفس الممارسات، ونفس الأفعال والسلوكيات والانفعالات؛ مع اختلاف بسيط متمثل في مجموعة الأدوات المادية المستخدمة، فهي الوحيدة المتطورة على امتداد الأزمان المتتالية، أما بخلاف ذلك فالإنسان هو الإنسان، لا جديد عنده، في تعامله مع من حوله، ومع نفسه، وهذه الصورة النمطية؛ لا تتضمن الاستثناءات؛ وهي موجودة في كل زمان ومكان؛ والتي تأتي بأفعال هي أقرب إلى المثالية منها إلى مجموعة التناقضات التي نعيشها في كل زمان ومكان، فأفعال الخير والشر ليست حكرا على زمن دون آخر، فالبشر هم البشر؛ سلوكياتهم وقناعاتهم لن تتغير. تتغير الأدوات التي يستخدمونها فقط.

ما أستغربه؛ أكثر؛ من فهم؛ ربط الأحداث باليوم (الزمن الحاضر) وكأن الناس ولدوا اليوم؛ مع أن تاريخ الشرية ممتد منذ آلاف السنين، وفي هذا العمر الممتد منذ آلاف السنين، تمارس البشرية كل أنواع السلوك: الخير والشر، على حد سواء. فما هو الجديد؟ والدليل أن الأحكام الشرعية، والقانونية على حد سواء، لم تكن وليدة اللحظة، فهي مسترسلة منذ ذلك الزمن البعيد؛ نعم تشهد تطورات موضوعية فيها؛ وفقا لحاجة الناس، وما يستجد في أزمانهم، هذا أمر مسلم به، ولكن غير ذلك يبقى هناك فهم مغلوط، لا يزال يتكرر عبر الأجيال، هل هو تغافل عن هذه الحقيقة، أو هو تجاهل لحقيقته، أو هو تقليد لا أكثر.

فالأحكام المتشددة؛ التي صدرت على سبيل المثال في بعض الممارسات التي تقوم بها المرأة فيما يخص تحسين زينتها هي منذ أكثر من ألف عام، ولا تزال تلك الممارسات قائمة، كذلك قضايا المثلية "الملتهبة" أحداثها اليوم هي معروفة، ومعابة وفيها أحكام صارمة، كذلك معظم السلوكيات التي تثير حساسية ما في أي مجتمع، هي معروفة، وإلا لما أخذت هذه الدرجة من الحساسية، ولأن الأمر كذلك؛ فلمَ يحمَّل الجيل الحاضر كل تبعات السلوكيات المشينة التي تحدث؟

فمفهوم "زمن الطيبين" هو فقط لاجترار عواطف السامعين، لا أكثر، وليس له حاضنة سلوكية مثالية مسترسلة منذ ذلك الزمن البعيد، إلا بقدر التفاوت النسبي في سلوكيات الناس في كل عصر، والإنسان بطبيعته "حَمَّاَلةْ أوجه" تجده كل يوم على سلوك مغاير عما كان عليه قبل فترة، لذا من الخطأ الكبير أن تؤخذ المواثيق، والعهود؛ وفقا للسلوك الحاضر عند كل فرد، فلا بد أن أن تكون هناك آلية أخرى في المسائل الجادة، ومن هنا تأتي المكاتبات، والمعاهدات الموثقة لتكون الفيصل لتنظيم العلاقات بين الناس، وهذا المعنى يتوافق مع قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: (... فإن أَمِنَ بعضكم بعضا فليؤدِّ الذي أؤتمن أمانته، وليتقِ الله ربه...) عززت الأمانة هنا بالتقوى، ولا يمكن الرجوع إلى هذا الخيار الأخير إلا في حالة تعذر الكاتب فقط، نظرا لأن الإنسان تعتريه الكثير من حالات الضعف، فتتغير مواقفه، وآرائه ومبادئه، وهذه خصوصية كل إنسان، وليس في ذلك علاقة بالزمن؛ تقدم هذا الزمن أو تأخر.