نوافذ :بناء الثقة وحجبها ..

24 سبتمبر 2021
24 سبتمبر 2021

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

أجزم أن المساحات المشرعة لبناء الثقة ممتدة، وواسعة، ولكنها، في المقابل، تحتاج إلى كثير من الجهد، والتنازلات، غير المهينة، وإلى شيء من التضحيات، لأن المواقف المتصلبة لا تبني جسورا للثقة، ولا توجد حالات من الرضا الحقيقية، والسبب في كل ذلك أن كلا الطرفين يشعران بأحقيتهما في أن تكون لكل منهما شخصيته المستقلة، ولا يرضى إطلاقا ذوبانها في شخصية الآخر، وربما هذه من أعقد المواقف في بناء الثقة، ومعنى هذا أن هناك من المجاهدة غير المنكورة للوصول إلى ثقة ما بين طرفين، بعكس حجبها حيث لا تحتاج إلى كثير من الجهد، فقد تنهار لموقف سخيف، أو كلمة جارحة – مقصودة أو غير مقصودة – مع أن التريث في حجبها نهائيا، يفترض، أن يمر بخطوات عملية لتقليل كفتي الخسائر بين الطرفين.

نحتاج إلى كثير من العناء حتى نصل إلى البدايات الأولى لوضع أساس بنيان الثقة بيننا وبين الآخرين، هذا العناء يتمثل في كثير من الممارسات، يأتي في مقدمتها الكلمة الصادقة، والفعل المخلص، والمعايشة القريبة، وقليل من الجدل المفضي إلى الاختلاف – ولا أقول التسليم المطلق – ومجموعة من المواقف المعززة للعلاقات، وهنا أذهب أكثر إلى العلاقات الإنسانية لا المصلحية، والتي تنتهي بانتهاء المصلحة القائمة بين الطرفين.

ربما من السهل «بناء ثقة» بين طرفين تجمعهما علاقة ما، مؤقتة أو دائمة إلى حد ما، ولكن الأسهل أن تنهار هذه الثقة عندما تتعرض لأي موقف قد يكون صغيرا، أو تافها، فإذا ما تعرضت لذلك، فعودتها إلى حالتها الطبيعية ليس يسير إطلاقا، وربما قد تصاحبها تداعيات تدعو كلها إلى حجبها، وعدم استمراراها، ولعل هذا ما يشير إليه قول القائل:

«إن القلوب إذا تنافر ودها

مثل الزجاج كسرها لا يجبر»

والسبب في ذلك أن بناء الثقة وحجبها قائم على كتلة من المشاعر المتبادلة، قبل كل شيء، ومن ثم تنبي عليها مجموعة التفاعلات المعززة لوجودها، واستمرارها.

هناك من يحرص على أن تكون بينه وبين الآخرين ثقة حقيقية، لأنه لا ينتصر لخاصته فقط، وإنما يذهب إلى مصلحة الجميع، أو الأقل يحيد نفسه عن كل ما من شأنه أن يتداخل مع حقوق الآخر، فهو يدرك حقيقة أن بناء الثقة لا تقبل المساومة، فإما أن تقبل بالكامل، وإما أن ترفض بالكامل، وهذه هي حقيقتها المطلقة، فأنصاف الحلول لا يبني «ثقات» ومن يتخذ هذا المسلك «أنصاف الحلول» فهو الأقرب إلى الانتهازية منها إلى الواقعية والأمانة الخلقية.

لن يكون «حجب الثقة» مثلمة في بنيان العلاقات القائمة بين الناس، ففي أحيان كثيرة قد نصل إلى نقطة فاصلة لأية علاقة كانت، ويكون الخيار الأمثل حجب الثقة بين الطرفين، لأن في استمرارها قد يكون على حساب طرف آخر، في قناعاته، أو في مشاعره، أو تصادما مع مواقفه، ومعنى ذلك أن يكون الطرف الواقع عليه الضرر جسدا بلا روح، وعندما تصل العلاقة إلى هذا المستوى من الوهن، فلا فائدة من استمرارها.

نحتاج كثيرا، كأفراد في المجتمع، إلى بناء ثقات أصيلة معززة بالصدق، والأمانة، والإخلاص، فمجموعات المصالح المتبادلة أكثر من أن تعد، أو تقيّم، فعزة الوطن، بقوة أبنائه، وتكاتفهم، وتعاضدهم، وتعاونهم.