نوافذ : الواجب..

02 سبتمبر 2022
02 سبتمبر 2022

shialoom@gmail.com

ينبرئ الواجب كأحد المسلمات في الذاكرة الاجتماعية، حيث لا يمكن تجاوزه؛ ولو بأقل الإلتزامات تجاه الآخر، ومع أن الواجب يلزم صاحبه تجاه نفسه، واتجاه الآخرين من حوله، ومع التسليم بذلك؛ إلا أنَّ الواجب تجاه الآخرين مقدم على الواجب تجاه النفس الخاصة؛ هكذا هي الصورة النمطية عنه، فالتزام الشخص بالجماعة يحمله تبعات كثيرة، وفي مقدمتها إلتزامه بما تَقْدُمُ إليه الجماعة التي ينتمي إليها من مهمات وواجبات، وإلا عد نكوصه عن التزامه بشيء من الإخلال بمسؤولياته كفرد فيها، وربما قد يحمله ذلك شيئا من العقاب، وأقلها شيئا من العتب، هذا إن لم يعد ذلك خروجا عن الجماعة ككل، حيث يدخله ذلك في خصومات، وربما عقوبات.

إلا أنه قد لوحظ أن مفهوم الواجب كالتزام جماعي لم يعد يأخذ مكانه في النفس عما كان عليه الأمر قبل َنيِّف من السنين، حيث استجدت قناعات لدى الأجيال خلخلت مجموعة الالتزامات القسرية التي كانت بمثابة الإلتزام المطلق تجاه الجماعة، وعد الأمر نوعا من الاختيار؛ إن التزم به الفرد التزم، وإن لم يلتزم فليس هناك شيء يلزمه بذلك، وهنا حصل اختزال في مفهوم الواجب من الالتزام المطلق إلى الاختيار المطلق، فهل تماهت الجماعة إلى الحد الذي لم يعد لها القدرة على إلزام أفرادها بمجموعة الالتزامات المعبرة عن وحدتها، وسلطتها، وهيبتها وجبروتها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي أربك هذا الفهم الاجتماعي في النفوس حتى أوصله إلى هذا الحد من التماهي؟ وهل في ذلك إشارة إلى أن الفرد لم يعد يُحَمِّلُ نفسه إلتزاما غير موثق أو مكتوب؛ كما هو الحال في القوانين والأنظمة المنظمة لمختلف العلاقات بين الناس؟ والدليل على ذلك حتى آليات القبول للأنظمة والقوانين المنظمة للعلاقات بين الناس، سواء تلك الموجودة في المؤسسة الوظيفية، أو الموجودة في مختلف العلاقات التي تحدد الواجبات والحقوق – كما يرى مراقبون – أن الناس لا ينزلونها المنزلة المباركة من الاحترام والتقدير والواجب، إلا بالقدر الذي تحقق لهم مصالح مباشرة وملموسة، أما بخلاف ذلك تظل مجرد نظام إن التزم به الفرد؛ فذلك راجع إلى خلقه واحترامه لذاته وتقديره لمن وضعه، وإن لم يلتزم به، فهو في حل من أي التزام؛ إلا إذا تصادم مع مصلحة عامة، أو مصلحة فرد، ووصل الأمر إلى منصات القضاء، وهذه حالات استثنائية.

تراهن المجتمعات على أفرادها في كثير من المناخات الإنسانية والاجتماعية، ويتمحور هذا الرهان في جل الممارسات التي يقوم بها الأفراد، على اعتبار أنهم أفراد في هذا المجتمع، وأنهم يسعون لمصلحته، والمحافظة على نصاعة وجهه، من خلال الالتزام بقوانينه وأنظمته، ومن خلال النظر على أن كل ذلك من قبيل واجب الفرد تجاه مجتمعه، وبالتالي متى حدث تشظي في هذه الصورة، وحدث ارتباك في هذه القناعة، فإن في ذلك تغيُّرًا في القناعات، وعادة من يحمل لواء التغيير هم من الفئات الصغيرة من أبناء المجتمع، حيث ينطلقون من قناعات جديدة، ومن رؤى مختلفة، ومن ممارسات متباينة، وهذا نتيجة حتمية لمستوى التأثر بثقافات الشعوب الأخرى، وما أسهل التأثر اليوم في ظل الانفتاح المطلق لوسائل التواصل المختلفة، وفي المقابل صعوبة البقاء على الالتزام "الواجب" بقيم المجتمع المتوارثة؛ على وجه الخصوص، ومع ذلك تحاول الحاضنة الاجتماعية لملمة ما تبقى من قناعات علها تحافظ؛ ولو على النذر اليسير من هوية المجتمع، وعدم تماهيه المطلق لما يواجهه من تأثيرات على أفراده.