نوافذ :المختلف.. يثير فينا الدهشة

13 أكتوبر 2023
13 أكتوبر 2023

[email protected]

تحضر مقولة: «اختلف معك لكي أفهمك» لتفتح نوافذ مختلفة من الحوار، فالتوافق المطلق، قد لا يوجد فيما بيننا مجموعة من الأسئلة الاستيضاحية، كما هو الحال عندما نثير أسئلة مختلفة ومتعددة مع من نختلف معه في (المعتقد، والقناعة، وتجربة الحياة، والعمر، والوظيفة، والمستوى التعليمي، واختلاف بيئات العمل؛ ونوع الحاضنة الاجتماعية، ونوع البيئة الاجتماعية، ومكان السكنى، والمستوى المعيشي) فمجمل هذه المناخات تثير فينا مجموعة من الأسئلة نود من الطرف الآخر أن يقربنا إليه أكثر من خلال ما هو مخفي عنا، وهذه الممارسة في حد ذاتها ليست فضولا مبالغا فيه، ولا حوارا سفسطائيا لا فائدة منه، ولكنه ضرورة مهمة، لتجلية الرؤى عن كثير مما هو مخفي عنا، وكما أننا نسأل، فالطرف الآخر هو أيضا يسأل، ويلح في أسئلته إلى درجة تقييمنا له بالفضولية، فكلا الطرفين يستجلبان تجربة الحياة من الطرف الآخر، فلعل في ذلك استلهام شيئ من الدروس، وهذا أمر مشروع إلى حد بعيد.

عندما تزور القرية؛ وأنت من سكان المدينة، أو العكس عندما تزور المدينة؛ وأنت من سكان القرية، فإنه لكلا الزائرين هناك حمولة من الأسئلة تسطف على سطح اللقاءات العابرة بين الأشخاص، وبين مكونات المكانين، وكل واحد من هذين الزائرين هناك ما يثير فيه الدهشة، فتتخلق بين جوانبه مجموعة من الأسئلة، وقد تكون بعض الأسئلة صادمة للطرف الآخر، أو أنها مضحكة، أو أنها مدهشة بدرجة كبيرة، مما يولد قناعات لدى الطرفين، أن ساكن القرية فيه الصفات ما تبعث على الحيرة، والعكس بالعكس تماما، فيما يخص ساكن المدينة، مع أن هناك خصائص ديموغرافية فارضة نفسها بفعل التنشئة الاجتماعية، والتكوين المكاني؛ وما يدفع به من معززات مؤثرة، لدى الطرفين فللمكان تأثيره الخاص، وحساباته الدقيقة، فمساحة الأفق الممتدة لدى ساكن القرية تتفتح أمامه مدارك لا تحدها المسارات الأفقية، حيث لا تقاطعات، ولا حواجز شاهقة، بل امتداد لا متناه من مفردات طبيعية متنوعة (مزارع، جبال، أودية) بينما؛ ولذات الصورة فإن ساكن المدينة يعاني كثيرا من تكسر بعده الأفقي؛ حيث الكتل الأسمنتية المتكدسة، والمتلاحمة تسد عليه البعد الأفقي، والشوارع الفسيحة وزحمة المركبات؛ تقلص من حرية حركته التي يريد، فيلجأ إلى البعد الرأسي، حيث التفكير العميق للبحث عن حلول لكل ما يصطدم به من عقبات تنغص حياته اليومية، وبالتالي فالهدوء والتحفز والمبادرة الغالب في تصرفات ساكن القرية أو الريف؛ يقابله العصبية الثائرة، وربما الشطط والتسرع لدى ساكن المدينة، وفي كلا الحالتين تأتي هذه السلوكيات نتائج متوقعة وانعكاسا لذات البعد الأفقي الممتد عند كليهما، والمناقشة هنا تركز أكثر على البعد الأفقي للرؤية، دون الدخول في المؤثرات البيئية لكلا الطرفين كل على حدة؛ حيث يتسع الحديث عندئذ.

ولذلك يتبادل الطرفان في مواقف كثيرة؛ التأثيرات الظاهرة في سلوكيات كل منهما، فبقدر ما ينظر إلى سكان القرى والأرياف على أنهم بسطاء، ومتواضعون وكرماء، وربما لا تستوقفهم التفاصيل الكثيرة للأشياء، ففي المقابل ينظر إلى سكان المدن على العكس تماما من ذلك، وإن كان في الفترة الأخيرة من حياة الشعوب بدأ كلا الطرفين يقتربان من بعضهما البعض؛ انعكاسا لظاهرة الحراك الاجتماعي، ومستويات التداخل والامتزاج الذي تشهده المجتمعات في كل بقاع العالم بلا استثناء، وحرص الحكومات على التوازن في توزيع مشروعات التنمية.