نوافذ : العواطف الغارقة

28 يناير 2022
28 يناير 2022

[email protected]

مما نعرفه أنَّ الديون هي المعرَّضة للغرق، وفق المصطلح الاقتصادي: "الديون الغارقة" ولكن يبدو أنه من واقع الحال أنَّ كل شيء معرضٌ للغرق؛ حتى العواطف؛ وبهذا التوصيف الـ "غارقة" لعلها تكون (معتقة) والشيء المعتق يكون أصيلا، ومؤثرا، وقويا؛ كحال كل شيء معتق في الحياة،أي أخذ نصيبه من الحفظ، والنقاء، والتأصيل، والقدم، فالعتيق؛ حسب المعجم؛ هو القديم، فثوب عتيق أي قديم، وعطر معتَّقٌ؛ أي أخذ دورة زمن في الحفظ؛ وهو من أفضل العطور – كما يقال - وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

وغرق العواطف؛ هي تلك المشاعر المختزنة في الصدور والذاكرة، غارقة لأنها لم تجد المساحة الإنسانية للانتشار، أو للخروج من مستنقعها الذي تعيشه منذ زمن التشكل الأول، ولذلك فهناك من تموت فيهم هذه العواطف، فلا تجد حافزا يخرجها من صدور أصحابها فتتلاشى مع مرور الزمن، وقد تظل غارقة إلى أن يأتيها باعث يوقظها من سباتها، فتشتعل لهيبا إلى حد الأرق لصاحبها الذي حافظ عليها زمنا، ولذا يٌقيَّم البعض من أن عواطف كبار السن أكثر صدقا، وأكثرها ديمومة، من عواطف صغار السن، حيث يخالطها الشطط، والتسرع، والنزق، ولذلك فمساحة بقائها في دهاليز صدور أصحابها قصيرا، وقد تتشكل بوصلاتها باستمرار، فتتوجه إلى مشاريع جديدة في العلاقات، بعكس الأولى التي تعمر طويلا، فتطمئن لها النفوس أكثر.

من جميل ما قرأت؛ عبر صفحة الـ "واتس أب" النص التالي: "لا تتعاطف مع (أشخاص) فشلوا في الاحتفاظ بك، فلا تصدق أن غفرانك للزلات يزيد من حجمك في أعينهم". وهذا النص رسالة؛ قد لا تتفق مع مفهوم الـ "عواطف الغارقة" فحالة الشك التي يثيرها النص؛ وهي عدم احتفاظ الناس بمشاعرهم بعد مدة من الزمن "فشلوا في الاحتفاظ بك" لا يبدو أن هناك مشاعر مختزنة في نفوس أصحابها لا تزال محجوزة لك وحدك، وبالتالي فعليك أن تحذر، وأن لا تمنِّ النفسَ كثيرا برصيد مشاعري عند الآخرين يمكنك أن تعود إليه في الوقت الذي تريد، وإنما أسس قناعاتك على أنك تعيش اللحظة فقط، بالتالي؛ فمتى واجهك الطرف الآخر بجفاف المشاعر، فلا تبتئس، ولا تحزن، لأن واقع الناس هكذا، فلا تصدمك المواقف.

(العواطف الغارقة) رصيد معنوي من المشاعر "المعتَّقَة" نحتاجُها في مواقف كثيرة، سواء لنهب شيئا منها لآخرين يستحقونها، أو نأملها من آخرين نتوقع فيهم أنهم وفق ما نتصورهم، ووفق ما نقيِّمْ علاقَتنا بهم، ومع أهمية هذه الصورة في حياتنا الاجتماعية، إلا أنها صورة لا يجب الجزْمُ على نصاعتها، أو حتميتها، فهي واقعة في مأزق "حمالة الأوجه" التي عليها الطبيعة، أو الفطرة البشرية، المحكومة بالكثير من التأرجح، والتململ، وعدم الاستقرار، لذلك أن تحتفظ أنت بشخصك، بكم هائل من (العواطف الغارقة) لتهبها لآخرين من حولك، حباً أو كرهاً، فهذا أمر متاح إلى حد بعيد، لأنه في ملكيتك الخاصة التي لن ينازعك أحد عليها، أما ما عند الآخرين؛ فليس من اليسير أن تجدها في أي وقت تشاء.

كم نريد من تراكم الأرصدة من (العواطف الغارقة) ولو أن مكوثها طويلا إلى حد الـ "معتق" قد يفقدها شيئا من حيوية الزمن وديناميكيته، فقد تصبح حملا ثقيلا على صاحبها.