نوافذ : السيئة لا تتجاوز مثيلتها
تم قبل أيام تداول النص التالي: "أنه بعد كل عملية شراء مصرفي؛ تأتيك رسالة تبين لك حدوث نقص في رصيدك، تخيل أن هذه الرسالة تأتيك بعد كل عملية ظلم واعتداء و غيبة ونميمة وبهتان، ينقص من رصيدك... هل تظلم غيرك! والأمر الأصعب، أن النقص يحدث في رصيدك دون علمك، ولكنك سترى الحساب كاملا يوم التغابن، فانتبه" – انتهى النص – ولمقاربة الفهم في هذا الاتجاه؛ يمكن القول أيضا: "ولماذا لا نقول: تخيل أن تأتيك رسالة مع كل عمل خيّر يزداد فيها رصيدك من الحسنات، فيدفعك ذلك إلى مضاعفة عمل الخير؟ لماذا نذهب دائما إلى السلبية، وإلى التعاسة، وإلى ما يكرس الهم والحزن؛ ويضيق من اتساع دائرة الخير؟.
ما أتساءل حوله دائما: هذه الاستهلالات الدائمة عن الجانب المظلم في حياتنا، والانحياز الأغلب نحو السلبية في النتائج المتوقعة لمختلف السلوكيات، وكأننا متخمون من النتائج الإيجابية من مختلف هذه السلوكيات التي نمارسها طوال اليوم، هنا حالة متجذرة من جلد الذات؛ إلى درجة الاشمئزاز من الواقع الذي نعيشه، مع أن الواقع بقدر ما فيه من مآسي، فيه أيضا من مناخات إنسانية رائعة، وتريح النفس، وتذهب بمشاق الحياة إلى الطرف الآخر من النهر، ومجموعة التماسات التي تحدث كنتيجة طبيعية لمختلف الممارسات؛ هي؛ في الواقع؛ لا تزيد عن مجموعات التماسات التي تحدث من أفعال الخير، والأفعال الإيجباية بشكل عام، وهذه الصورة – التي تغلب فيه الحالة السلبية على الحالة الإيجابية - قد يكون منشأوها ثقافة المجتمع المحيط، الذي ينحاز في كثير من الأحيان إلى الجانب السلبي في حياته، ويوهم نفسه على أنه مستهدف، وأنه مطارد، وأنه مغلوب على أمره، وأنه بغير سند قوي لن يتحقق له كل ما يريد، وهذه إشكالية موضوعية؛ ليس فقط كحالة اجتماعية متداولة/ متوارثة، ولكن كشعور ذاتي بالدونية، وبعدم الاعتزاز بالنفس، وقدرتها على تحقيق ما تصبو إليه من رفعة، وهذا الشعور لا يختلف كثيرا ما بين الإنسان المتحقق، وبين الآخر العايش على الكفاف، فكما الأول يرى أن كل الأعين تراقبه، والقلوب تهمس به في غدوته ورواحه، وأن هناك من يصر على استهدافه "أوهام" كذلك يرى الثاني؛ أنه مستقصد، وأن كل مصائب الدنيا تركض خلفه، فكلا الشخصين لا يستحضران إلاالرصيد السلبي، أو السيء، وكلاهما يعيشان في وحل التجاذبات السلبية للذات، يقول الشاعر:
"إن غبت لم ألق إنسانا يؤانسني
وإن حضرت فكل الناس قد حضروا"
وكأن الناس لا يشغلهم شيء إلا تقصي الحقائق عن هذا وذاك، بصورة مطلقة، متجاوزين بذلك المظان الخاصة للأنفس، ومهرولون وراء الآخر، وأشد ما في هذا الأمر هو ربط نتائج الأفعال بما يفكرفيه الناس عنا، وفينا، بينما الحقيقة أن كل مشغول بذاته، لا يهمه كثير من الناس، بقدر ما يهمه كيف يدبر مستلزمات اليوم؛ ليصل إلى الغد.
الطرح هنا يذهب إلى تغليب روح التفاؤل لأنها المحفزة أكثر للعمل والإنتاج، وتقدير نتائج الأعمال حسنها وسيئها يبقى لخالق البشر ومصرف أمورهم، وقضية الانحياز؛ في كثير من الأحيان؛ إلى المتكأ السلبي فيه خطورة على حياة الإنسان، حيث تكبله عن كثير من فعل الخير، وعن كثير من الصفاء الروحي الذي يبني التفاؤل، ويوسع بؤبؤ العين لترى الكثير من أوجه الجمال، بدلا من التضييق نحو حفر القبح، وما أشد القبح أكثر من توقع الأسوأ، فلا تجمدوا توقعاتكم بمضاعفة الأرصدة الإيجابية فمناخاتها كثيرة، والحسنة بعشر أمثالها؛ بينما السيئة لا تتجاوز مثيلتها.
