نوافذ الـ "تسويف"

19 نوفمبر 2021
19 نوفمبر 2021

عندما يقترب موعد ما؛ قطعته على نفسك، أو أحد ما اتفق معك لأجله، تتلبسك حالة من الهيجان الشعوري غير المنضبط، وكيف له أن ينضبط؛ وما بينك وبين ساعة الصفر لهذا اللقاء إلا دقائق محدودة، أو ساعات محدودة، فإنَّ لك أن تلملم شتات نفسك الموزعة بين جملة من المسؤوليات، والالتزامات، والتي يأتي الإخلال بها أن يضعك الأمر في قمة الإحراج، وفي سوء التصرف، وفي موقف المرتبك؛ الذي لن تسعفه خبرة السنين، ولا قوة الشخصية، ولا مكانة الوجاهة أو المسؤولية، فأنت أمام خيارين: إما أن تقدم عملا مهلهلا في تلك اللحظات الحرجة، أو تنسحب منكس الرأس، لا تنوي الرجوع بأثر رجعي، وفي كلا الأمرين أنك أسأت لنفسك، بحول منك وقوة، وليس للآخرين من حولك أي ذنب؛ فأنت، وتصرفك، والزمن المتاح؛ تتناوبون على توظيف ما يتاح لكم من فرص، فإن لم تستطع أن تلملم شتات نفسك في مستوى الالتزام، ولم تستطع التصرف بما أتيح لك، ولم تستطع أن توظف الزمن فيما أنت فيه، فعليك أن تعيد حسابات كثيرة في حياتك، فالحياة؛ كما هو قانونها؛ لا تقبل بالمسوغات المتهلهلة، ولا تركن إلى كثيرا إلى ثقافة الـ "تسويف".

يقولون: "إن التسويف لص الوقت" ولكن الوقت؛ في المقابل؛ ليس يسيرا سرقته، فإما أن تكون معه خطوة بخطوة، وإما أن تتلقى المأزق الناشئ بين تفريطك به، وبين مجموعة الالتزامات والمسؤوليات التي يجب أن تؤديها في تلك اللحظات الحرجة من عمرك، ومن يدقق أكثر أننا؛ وبلا استثناء؛ نعيش هذه اللحظات الحرجة مع أنفسنا كل يوم، لأن معوّل قياس أدائنا هو ما يتوفر لنا من زمن، ومشكلة هذا التوفير من عدمه، أنه من مسؤولياتنا الرئيسية، وإن شارك الآخرون في إدارته أحيانا؛ لوجود العلاقة التي تربطنا بهم، فالذي يضرب معك موعدا ما، في الساعة الفلانية، ويأتيك بعد مرور زمن ما قصر هذا الزمن أو طال، فإنه بذلك ساهم معك مساهمة مباشرة إطالة عمر الـ "تسويف" لأنه اجتزء جزءا منه قبل أن يأتي إليك، وستجد نفسك مضطرا لمجاملته، هكذا وبصورة فطرية، ولن تجرؤ على محاسبته، أو على الأقل معاتبه، لأن الثقافة التي توغلت بين حناياك، وارتضيت بها سلوكا، ستبرر تأخيره، وستقبل اعتذاراه، والسب أكثر أنك واقع في ذات المأزق في أكثر من سلوك، وفي أكثر من ممارسة، وفي أكثر من مناسبة، وهكذا يتم الاقتناع بتموضوعات هذه التنازلات في حياتنا، ومع مرور الأيام، تتأصل، فتصبح عقيدة.

من أغرب ما قرأته؛ أن "في الولايات المتحدة يتم الاحتفال بأسبوع الـ "تسويف" الوطني، في وقت ما؛ خلال الأسبوعين الأولين من شهر مارس؛ ويتم الاحتفال به في تواريخ مختلفة كل عام"وحسب المصدر؛ لم تذكر مبررات هذا الاحتفال.

يساعدنا الـ "تسويف" كثيرا في تبرير أخطائنا، وتصحيح مزالقنا وإخفاقاتنا، ينقذنا من المواجهة في تحمل مسؤولياتنا، ولكنه في المقابل يجعل منا "جبناء" حيث تخذلنا الحجة، ضعفاء في إبداء أسبابنا، محرجين أمام أنفسنا، فـ "التسويف" امتحان للإرادة، والمواجهة، يرسب فيه الجميع، بلا استثناء، والاستثناء الوحيد لأي ناجح فيه، هو امتهانه للكذب، فالمسوف حتى ينقذ نفسه عليه أن يكذب، وإلا يتحمل المسؤولية بكامل استحقاقاتها.