نوافذ :إنما السبيل

02 ديسمبر 2022
02 ديسمبر 2022

[email protected]

بين جهل المعصية؛ والعلم بها، ثمة فاصل دقيق، فهناك من يعرف أن هذا الفعل معصية، ولكنه يذهب إليه بكامل إرادته، ومنهم من لا يعلم بأن هذا الفعل معصية، ولذلك هو يقدم إليه، وفي كلا الأمرين هناك مساحة من الأمان متاحة لكليهما، شعرا بذلك أو لم يشعرا، وطرق الوصول إلى مساحة الأمان عديدة، تأتي في مقدمتها التوبة، ورد المظالم إلى أصحابها، وطلب الصفح والاستغفار، والندم على ما فات، والعزم على عدم مقارفة الفعل المشين بكامل الإرادة الذاتية مرة ثانية؛ إلا في حالة الإجبار القهري، حيث تصفد الإرادة الذاتية، والحرية الشخصية في الاختيار بين أمرين، حيث لا يتاح إلا اختيارا واحدا، وقد ورد في ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم؛ منها على سبيل المثال؛ لا الحصر، في قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق؛ أولئك لهم عذاب أليم) – الشورى؛ الآية (42) – وفي قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) – النساء؛ الآية (17) -. وفي هذه المناقشة لا أتعرض إلى ما تذهب إليه الآيتان الكريمتان، من معان جليلة، حيث إنني دون ذلك بكثير، ولكنني هنا أذهب إلى المعاني الإجمالية التي يعيها كل الناس، وهي ما نلمسها في حياتنا اليومية، وما نعيشه من مشاهدات، ونتائج للأفعال، سواء تلك التي نقوم بها، أو تلك التي نلمسها في الآخرين، حيث لا يمكن أن ننفصل عن الآخرين من حولنا، مؤثرين ومتأثرين، وهي علاقة طردية نعيشها أردنا ذلك أو لم نرد، وإن كنا لسنا معنيين بالآخرين في تصرفاتهم؛ أكثر من النصيحة؛ إن تيسرت لذلك ظروف القدوة والمعرفة، والصدق والأمانة، وإلا فنحن أقرب إلى أنفسنا أكثر من الآخرين، وهي الأهم.

لعل المؤذي هنا أكثر هو التعمد أو التقصد في معانقة الفعل المشين، وما أكثرها؛ ومن استلهام معنى "إنما السبيل" علينا أن نتحمل تبعات الأفعال التي نقوم بها، حسنها وسيئها، وهل الأفعال الحسنة عليها تبعات؟ أجزم؛ نعم؛ وذلك باتباع طرقها السليمة، فقد يقدم أحدنا على فعل الصدقة، ولكن المال المتصدق به لم يأت بطريقة مشروعة، وقد يقدم أحدنا على نصيحة الآخر، وهو فعل حسن، ولكنه مع نفسه سيئ الخلق (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا؛ ويشهد الله ما في قلبه؛ وهو ألد الخصام) – البقرة؛ الآية (204) – وفي كل الأحوال نحن مُمْتَحَنُونَ في أفعالنا وأقوالنا، وفي قدواتنا، وبالتالي ففي حالة إخفاقاتنا في كل هذه المواضع، يبقى السبيل علينا في تحمل ما تسفر عنه نتائج هذه الإخفاقات كلها، سواء على مستوانا الشخصي، أو على مستوى من حولنا، وأتصور أن الأمر ليس يسيرا فـ"إنما السبيل..." تظل مشروعا محاسبيا مطلقا، موجها بصورة مباشرة إلى الفرد في حالتيه الخير والشر؛ إن أحسن، والشر؛ إن أساء، وإن كنا كبشر معرضين لكثير من المواقف للوقوع في كليهما بصورة مباشرة لضعف إدراكنا بماهيات النتائج، إلا أنه تبقى هناك فرصة كبيرة، ومساحة أمان ممتدة لترجيح كفة الخير على الشر، وذلك مما أعطينا فيه فرصة الاختيار (فهديناه النجدين) – البلد؛ الآية (10) وهذا الاختيار لحاله امتحان ليس يسيرا؛ حيث يتقاطع مع تجاذبات الذات، ومآلات النفس، والحكيم من انتصر إلى سبيل هدايته باجتهاده، وبوصوله إلى قناعات ذاتية أكيدة.