نوافذ :إعادة تشكيل المواقف
shialoom@gmail.com
تحضر الفكرة هنا أكثر في مفهوم «إعادة الإنتاج» وهي من المهمات الصعبة جدا، وليس من اليسير تبنيها إن لم تكن الرؤية واضحة، والأسباب مقنعة، والوسائل حاضرة، وإن كانت النتائج ليست مضمونة، حيث يتوقف ذلك على كثير من العوامل الفسيولوجية عند الإنسان، والإنسان كما هو معروف «حمالة أوجه» أي سرعان ما يتغير تفكيره، وتتبدل آراؤه ومواقفه، ولذلك يواجه المربون صعوبات ليست خافية عند تشكيل سلوكيات الأطفال في أعمارهم الأولى، فما بالك عندما يُخْضَعُ الكبارُ لذات العملية؟ لا شك أن ذلك يحتاج إلى جهد مضاعف .
غالبا؛ ما ينظر إلى مهمة «إعادة تشكيل المواقف» على أنها من مهام السياسيين فقط، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، فهناك الكثيرون ممن يقومون بهذه المهمة تجاه الآخرين من حولهم، وكل ذلك لتحقيق أهداف؛ قد تكون آنية «لحظوية» وقد تكون أهدافا بعيدة المدى، قد تكون أهدافا إنسانية، وقد تكون أهدافا تجارية، وقد تكون أهدافا إجرامية، ولكن المهم في هذه المسألة أن يكون القائم بعمليات التغيير أكثر وعيا، وعنده أدوات أكثر تطورا - معرفية وتقنية - ويملك رؤية، فالمسألة هنا ليست عشوائية، وإنما تتحكم فيها مجموعة من العوامل المادية والمعنوية، ولا يستبعد أن يكون هناك فريق عمل دؤوب، لأن الغاية من ذلك هو تحقيق نتائج إيجابية ملموسة، وفورية، حيث لا تقبل الرهانات الخاسرة، ولا توضع خيارات يستطيع من يقع عليه فعل التشكيل أن تتاح له فرصة التخلص من مأزق المشكلة إن هو أحس بذلك. يقع فريسة هذه العملية أكثرهم صغار السن من «قليلي الخبرة»، والجهلة من الناس، من ينقصهم أمر ما من مطالب الحياة اليومية، ولذلك ينشط «المخربون» في هذه البيئات أكثر من غيرهم، أما من يتولى أول مهمة على مستوى المجتمع في هذا الجانب فهم الوالدان والمربون؛ وهذا الصنف من الناس؛ بلا شك؛ أهدافهم نبيلة وسليمة، بل ومقدسة، فهم يذهبون بذلك إلى صلاح المجتمعات، وتقويم الأسر، وبناء ذوات الأفراد بناء بنيويا راقيا، صحيح أن الأطفال لم تتبلور عندهم مواقف حول موضوعات الحياة الكثيرة، ولكنهم معرضون لتبني المواقف كلما زاد وعيهم بالحياة من حولهم، ولذلك يواجه المربون والوالدان أسئلة حرجة من قبل هذه الفئة، بعضها تمس العقيدة، وبعضها تمس العلاقات الخاصة بين الزوجين، وأغلبها مما تلتقطها أذهنتهم الطرية عما يدور حولهم.
صحيح؛ أن الإنسان - وحسب مقولة شكسبير :«يتغير لسببين: حينما يتعلم أكثر مما يريد، أو حينما يتأذى أكثر مما يستحق!» وكلا الفئات أعلاه خاضعة لجزءي المقولة؛ فالأطفال فئة خاضعة للجزء الأول حين «يتعلم أكثر مما يريد»، وجزء كبير من الفئات الأخرى تحت مظلة «حينما يتأذى أكثر مما يستحق»، والتغيير هنا؛ حسب فهم الجملة الأخيرة من قول شكسبير؛ غالبا؛ ما يكون سلبيا، وهنا خطورة أكبر، والخطورة أكثر انتشارا عندما يتبناها أصحاب الاختصاص؛ الذين يحظون بجزء معقول من الثقة من قبل الآخرين، عندما يروجون لمنتج معين؛ هو في الذاكرة الاجتماعية على أنه منتج له مردود سلبي، فيأتي هؤلاء ليعطوا صورة إيجابية لذات المنتج، فتتغير المواقف بناء على الثقة التي يحظى بها هؤلاء في وسط المجتمع، وقد يلعب اليوم مشاهير التواصل الاجتماعي هذا الدور، وينجزون في ذلك نتائج ملموسة.
