نعي إعلان حقوق الإنسان في ذكراه

11 ديسمبر 2023
11 ديسمبر 2023

يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر من كل عام بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، الإعلان الذي خرج بعد ثلاث سنوات من نهاية واحدة من مآسي البشرية على كوكب الأرض. نص الإعلان على الحقوق والحريات الأساسية وانبثقت عنه الاتفاقيات الدولية والعهود والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان. لكن في هذا العام الذي نعيشه 2023م اتضح جليا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يعد معيارا حقيقيا للقيم الإنسانية ولا روح العدالة والكرامة في العالم، نتيجة ما جرى ولا يزال يجري في فلسطين، إذ بدا واضحا أن الكيان الصهيوني المولود قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببضعة أشهر، لا يعير المواثيق الدولية ولا حقوق الإنسان أي اعتبار نتيجة لحماية الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة للكيان الغاصب، وليس أدل على ذلك من استخدام الولايات المتحدة للفيتو ضد إيقاف الحرب على غزة. هنا يجب على العالم الحر أن يعيد التفكير في نفاق المجتمع الدولي وقوانينه التي تُعبّر عن عنصرية تجاه الإنسان غير الأوروبي، فعلى سبيل المثال حين أُعلن بيان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس يوم 10 من ديسمبر 1948م، كانت فرنسا تحتل بعض أجزاء من الأراضي الإفريقية وتمارس أبشع أنواع التعذيب والقتل بحق السكان الأفارقة وأولهم الجزائريون.

أما الدولة التي قامت منها فكرة حقوق الإنسان على يد آنا إلينور روزفلت (1884-1962) زوجة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1882-1945) فهي الدولة الأكثر خرقا للشرعية الدولية وعدم الالتزام والتقيد بالقرارات الصادرة عن الهيئات الدولية وأجهزتها.

فقد تدخلت لتنصيب حلفائها في بعض الأنظمة في العالم، بدأتها بتمويل المعارضة الكوبية في سنة 1961م في العملية المعروفة بخليج الخنازير، التي فشلت فيها أمريكا في تنصيب مرتزقتها على الجزيرة الكوبية، وفي عام 1983م تدخلت الولايات المتحدة لغزو جزيرة غرينادا في البحر الكاريبي وإعدام رئيسها موريس بيشوب (1944-1983) وتدخلت الولايات المتحدة بقوتها وعنفها في حرب فيتنام (1955-1975)، إذ قتلت حوالي ثلاثة ملايين إنسان ناهيك عن أضعاف ذلك العدد من الجرحى والمعوقين، أيضا تدخلت أمريكا في الحرب الكورية في عام 1950م التي قتل فيها حوالي خمسة ملايين من الكوريين، كما ساهمت الولايات المتحدة في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) ودعمت الطرفين المتحاربين، إذ ساعدت العراق علنا وفي الوقت ذاته كانت تبيع الصواريخ لإيران، فيما عُرف لاحقا بفضيحة (إيران جيت)، في واحدة من الحروب العبثية في العالم الإسلامي التي أودت بحياة مليونين من البشر وتدمير المدن والقرى وتهجير السكان وغيرها من الخسائر المادية. بعد ذلك بسنتين منحت الولايات المتحدة للنظام العراقي الضوء الأخضر لغزو الكويت، بعد اجتماع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين (1937-2006) مع السفيرة الأمريكية في بغداد أبريل جلاسبي (81 عاما). قبل الغزو بأسبوع، قالت في محضر اجتماعها المذكور «إن الولايات المتحدة لا تعُدّ منازعات الحدود شأنا من شأنها»، وثم حدث ما حدث في حرب الخليج الثانية وسنوات الحصار على الشعب العراقي، وفي التسعينيات لم تتوقف الولايات المتحدة عن قصف البلاد العربية، منها التدخل الأمريكي في مقديشو في عام 1993م، وقصف مصانع الشفاء في السودان في عام 1998م، ناهيك عن القصف الدائم على العراق. بعد تفجيرات 11 سبتمبر أعلنت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان فأودت بحياة أكثر من 200 ألف أفغاني وأضعاف هذا العدد من الجرحى وخسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات، بعد ذلك تدخلت الولايات المتحدة بعد كذبة امتلاك العراق لبرنامج الأسلحة النووية، فدُمر العراق شعبا وثقافة وانتهكت حقوق الشعب الذي ورث قانون حمورابي؛ أول قانون عرفته البشرية.

إن إخفاق القانون الدولي في منع يد الإجرام الصهيونية المسلطة على الشعب الفلسطيني منذ سبعة وخمسين عاما، يبعث على البحث في نظام عالمي بديل يصون كرامة البشر ويحافظ على أرواحهم ويمنحهم حقوقهم، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الداعي لترسيخ حماية الإنسان وتعزيزها ليعيش بكرامة وحرية، ويتساوى في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن اللون والمعتقد والموقع، أقول إن الإعلان يلفظ أنفاسه الأخيرة ويحتاج إلى إقامة مناسبة عزاء له ودفنه إلى الأبد، واستحداث قانون دولي آخر يستند إلى القيم النبيلة للإنسانية، ويقيم العدل بين الناس، نعم لا بد من التفكير والعمل على إعلان حقوقي عالمي يحمي الإنسان وكوكب الأرض ويوقف آلة القتل، ويمنع تجار الحروب من التكسب من الدماء وآلام البشر.