نصب تذكارية للرحالة في صلالة

05 يونيو 2023
05 يونيو 2023

يسعى القائمون على تطوير المدن إلى أنسنتها وجعلها بيئات تلبي حاجات ورغبات قاطنيها، فالمدن ليست هياكل أسمنتية أو فِجاجا من الأسفلت، مزروعة على المساحات الجرداء. بل سكن واستقرار وبما أن الخطط الاستراتيجية والتنموية وفي مقدمتها الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، تعمل على تطوير الحواضر العمانية، فإنا نأمل إضفاء الطابع الجمالي على المدن، عبر الميادين العامة والحدائق والنصب التذكارية بما يتوافق مع روح العصر، وشكل المدن القادرة على استيعاب حركة التحديث في حاضر تحكمه الرؤية البصرية والصورة.

تتجمد الحركة وتخفت المتعة في المدن التي تفتقر إلى الأنشطة الرياضية والثقافية، فيشعر الناس فيها بالملل والضجر، وتتفشى فيها أمراض العصر نتيجة قلة حركة قاطنيها، وافتقار الأحياء إلى وجود مساحات أو ميادين يمارس المتساكنون فيها أنشطتهم وتخفف من الاكتظاظ المعماري. ولهذا فإن المتنفسات الخضراء أصبح وجودها ضروريا وحتميا في المدن، مثلها مثل المرافق الحيوية مثل أرصفة للمشاة ومستخدمي الدراجات الهوائية.

إن مبعث المقال يعود إلى توالي الأحداث التي شهدتها مدينة صلالة خلال الأسبوع المنصرم، مثل اجتماع المجلس البلدي ومناقشة أنسنة الأحياء السكنية بمحافظة ظفار، وكذلك افتتاح مشروع النصب التذكاري للملاح الصيني «تشنغ خه» الذي نظمته سفارة الصين الشعبية بمسقط مع وزارة الخارجية وبلدية ظفار.

وكنا قد كتبنا في هذا العمود مقالا عن النصب التذكاري للملاح الصيني الذي يُعد أول نصب تذكاري في ظفار. « إن إقامة النصب التذكاري للبحار الصيني تشنغ خه في مدينة صلالة يُعد تجسيدا للاستراتيجية العُمرانية وبوادر تحقق مفهوم أنسنة المدن ثقافيا واستيعابها لحركة التحديث والنهوض المقررة لها في رؤية 2040. كما يُعد إقامة النصب التذكارية في الميادين أو الساحات العامة محاولة لإحياء ذاكرة المدن واستعادة الأحداث والمناسبات التي وقعت بها، أو التذكير بالرحالة والمشاهير الذين نزلوا بها».

إن «النصب التذكاري فن جمالي موظف في فراغ محدد، شعاره التشكيلي هو التواصل البصري، وعليه يقاس جمال المدن وتحضرها» كما كتبت سوسن صبيح حمدان في دراستها حول الساحات والنصب التذكارية في المدن. لذلك فإن وجود النصب التذكارية بات ضروريا كنوع من الترويج السياحي للحواضر والمدن، لهذا فإننا نأمل أن تقوم بلدية ظفار بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة، إلى إقامة نصب تذكارية للرحالة العرب والأجانب الذين مروا بظفار. وفي مقدمتهم الرحالة المغربي محمد بن عبد الله اللوابي الطنجي المعروف بابن بطوطة (1303-1377)، الذي زار ظفار(البليد) في سنة (731هـ/ 1331م) في عهد الدولة الرسولية، وقد كتبتُ دراسة بعنوان (ظفار في تحفة النظار)، حول زيارة ابن بطوطة إلى ظفار قدمتها في مؤتمر الرحالة العرب والمسلمين قطر 2010.

وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته إلى ظفار عدة ملاحظات مهمة منها النقود التي يقول عنها «إن دراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير، ولا تُنفق في سواها، وقد قمنا بالبحث عن هذه العُملة، ووجدنا أنه كانت في ظفار دار ضرب للنقود أيام حكم الدولة الرسولية، التي حكمت ظفار أثناء زيارة ابن بطوطة».

أما الرحالة الإيطالي ماركو بولو (1254-1324) فقد زار ظفار سنة 1285م، وذكر تجارة الخيول فيها. ومن النصب التذكارية التي نأمل وجودها في مدينة صلالة نصب يشير إلى بداية انطلاقة الرحالة لاكتشاف الربع الخالي، فقد عبره مع البدو كل من الرحالة البريطاني برترام توماس ( 1893-1950) ومواطنه ويلفرد ثيسجر (1910-2003) المعروف بمبارك بن لندن، وكلاهما انطلق من مدينة صلالة نحو مجاهل صحراء الربع الخالي.

هكذا يمكن الاستفادة من توظيف الأحداث التاريخية في السياحة بوصفها عوامل جذب يمكن توظيفها في السياحة الثقافية، وكذلك إثبات بأن المدن والحواضر العُمانية لم تكن معزولة عن حركة الاقتصاد والثقافة.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني