مواقع أثرية منسية

07 فبراير 2022
07 فبراير 2022

نسكن أرضا مأهولة بالبشر قبَلنا، فنجد آثارا وأشكالا لحياة اندثرت وبقيت صورها مجسدة في كومة أحجار أو رسوم ونقوش على جدران الكهوف، تُعبّر عن مستوى الوعي الإنساني والفكري والثقافي في حقب زمنية مضت. بعض الآثار المادية لاتزال ماثلة للعيان في منطقة (صولوت) وهي المنطقة الممتدة من مدينة حدبين شرقا إلى مدينة مرباط غربا، إذ توجد أشكال من المدافن والمقابر على حواف الأودية، وتتميز بطول المقابر وضخامة الأحجار المحاطة بالقبور، وأيضا توجد بقربها أشكال أخرى لآثار قد تكون مضابي أو أشكالا أخرى من أشكال تقديم القرابين. نلاحظ نحن القاطنين بالمنطقة المذكورة، أن القبور تتواجد حول الطريق العام، المُسمى باللغة الشحرية (أُورم إِزيرت) أي الطريق المعتاد، بينما الطريق الآخر يسمى (أورم إنشينوت) - ش شدقية-، وتعني طريق الرُحل، يعبره الرعاة المتنقلون حسب الفصول وأماكن نزول المطر ونمو العشب، كما تسلكه القوافل المحملة باللبان من المناطق الواقعة خلف جبل سمحان ( دهق أصولوت) إلى بندر مرباط وسوقها المشهور. وتدل الإشارات الحجرية المنصوبة على جنبات الطريق على حركة السير، إذ توجد أهرامات حجرية مبنية حول الطريق وخاصة عند معابر الأودية، كعلامات للعابرين.

تحتاج منطقة صولوت إلى مسح شامل من قبل الجهات المعنية بالآثار، لتسجيل الشواهد المذكورة ودراستها، وإجراء حفريات وتنقيب للخروج بدراسات علمية تسهم في معرفة التاريخ العُماني عبر حقب زمنية معينة، وأيضا توظيف الأماكن الأثرية والطرق في الأنشطة السياحية، كإحياء الطرق التقليدية في مواسم تنقل الرعاة، وأيضا في مواسم جني محصول اللبان، فالسياحة صناعة بالدرجة الأولى، والمقومات السياحية متوفرة وينبغي استثمارها. فمن ضمن المقومات على الطريق المذكور، آثار صناعة النيرة المستخدمة في بناء البيوت التقليدية، فنحن تُغرينا المباني الأثرية وتأسرنا الأحياء القديمة، لكن سحر الأمكنة ينسينا أحيانا أسئلة عن مواد البناء والبنائين وطريقة البناء. وهذا المجال يحتاج إلى دراسات أنثروبولوجيا وثقافية، تكشف عن العلاقة بين المكان والمعمار والطقوس المرتبطة به، أما أماكن صناعة النيرة، الدالة على الأنشطة البشرية ومساهمتها الاقتصادية في البناء والمعمار وطرق التصنيع، فتحتاج إلى الاعتناء بها، لتوظيفها في التنشيط السياحي والثقافي.

اعتمد الإنسان العُماني على نفسه ووظف إمكانياته وطاقاته في تطوير أساليب عيشه ومسكنه، فعلى سبيل المثال، حين نشطت التجارة والأسواق، زاد الإقبال على بناء البيوت والتباهي بالعمران، فكانت مادة النيرة مطلوبة لدى البنائين، فأقيمت معامل لقص الحجر ومصانع تسمى باللهجة الظفارية (الميفة) وتسمى باللغة الشحرية (منبارت وجمعها مُنوور)، وقد ذكر أحمد بن محاد المعشني، في كتابه (فنون العمارة التقليدية في ظفار)، شكل المعمر وطريقة البناء وتحضير المادة، « ويتكون معمل النيرة من بناء صغير مربع أو مستطيل الشكل، وتكون جدران البناء مرتفعة ما بين المتر إلى المترين وبه باب إلى الشمال، ومجموعة صغيرة من الفتحات أسفل الجدار لدخول الهواء، وتبنى هذه المعامل بالقرب من الأماكن التي تتوفر فيها الأحجار الجيرية التي تنتشر في قاع الأودية ومجرى السيول، إضافة إلى الحطب القوي القادر على تكوين حرارة عالية، تُبسط الحجارة داخل المعمل، ثم يُفرش فوقها الحطب ثم يوضع الحجر فوق الحطب، حتى يكون الشكل على هيئة طبقات، وأحيانا تُغطى بكمية من الروث كطبقة حافظة للحرارة ومولدة لها، وتضرم النار داخل المعمل في أسفل طبقة الحطب حتى تتفتت الأحجار وتترك لمدة شهر ثم ترش فوقها كمية من المياه، وبعد ذلك تُعبأ النيرة في الأكياس المُعدة لذلك وتُنقل إلى الموقع المحدد».

تقول بعض الروايات أنه يُفضل إقامة معامل النيرة قرب مصادر المياه، أو قبل المواسم المطيرة مثل فصل الخريف، لكي تفتت مياه الأمطار الحجارة في المعمل وتساعد على تفتيت الحجر، وتُغلق الفتحة المستخدمة لإشعال النار في أسفل جدار المعمل لكي تُبطئ عملية احتراق الحطب، فكلما بقي المعمل ساخنا كلما تفتت الحجر، وتترك النيرة لمدة عام ثم تُعبأ في الأكياس وتباع في الأسواق أو يحملها من تقدم بطلبها للبناء.

نود التذكير أن موقع النيرة أو الميفة، مكشوف ويحتاج إلى تسوير لحمايته من العبث، ووضع علامات إرشادية دالة عليه، إضافة إلى لوحة تُعرّف بالموقع واستخداماته، ووضعه على الخارطة السياحية لمحافظة ظفار.